وبعد الإدانات والاستنكارات والعزاء بالفاجعة الأليمة التي أصابت أهالي قرية الدالوة في محافظة الأحساء ، هذه الفاجعة التي آلمت الوطن بجميع أطيافه و راح ضحيتها شهداء من المدنيين ورجال الأمن ..
وحتى لا تذهب دماؤهم الطاهرة هدرا ، لا يمكننا تجاوز هذه الحادثة دون أن نتعلم الدرس ونبدأ بالتطبيق ، فالإرهاب اتخذ أخطر أشكاله وهو الشكل الطائفي ، هذا الشكل سريع الاشتعال وناره متأججة حارقة ومدمرة ، فلم يكن اختيار قرية شيعية في ليلة العاشر من محرم ذات الرمزية الخاصة بالمذهب الشيعي ، واستهداف ممارسي إحياء تلك الليلة عبثا ، بل هو مخطط مدروس ومقصود .
كثير منا شعر بالمسؤولية وأحس بالرعب والخوف على أمن هذا الوطن ، لذلك لست هنا سوى مواطن يحاول تقديم اقتراحاته ورؤيته وتسجيل موقفه بوضوح ، وإلا الخطة العملية لا يكفيها مقال ولا رؤية شخص واحد ، بل لابد من إطلاق ورشة عمل وطنية وجلسات عصف ذهني للوقاية من خطر المستقبل . وهنا أقترح عدة نقاط :
* بتصوري المسألة بغاية الخطورة والجدية ، ولا تحتمل المزيد من الوقت لإصدار قانون واضح وصريح يجرم التحريض الطائفي وخطاب الكراهية من أي طرف كان أو طائفة ، وإلحاق العقوبة الحازمة والمناسبة لمن يخالفه .
* الاعتراف بالمذاهب والتعددية العقائدية بالمملكة ، وإدخال دروس تعريفية بالمقررات الدراسية لكل مذهب أو عقيدة تشكل جزءا من هذا الوطن ، يقوم بالإشراف عليها أصحاب المذهب نفسه ، ليعرفوه بعيدا عن التحريف والكذب عليه .
* على المجتمع الشيعي بالمملكة التفكير باستراتيجية واضحة للتعامل مع الدولة كأقلية معزولة عن شيعة العالم ، وكذلك على الجانب السني التعامل مع الشيعة السعوديين بمعزل عما يقوم به الشيعة خارج المملكة ، لأن ذلك ليس من صلاحياتهم ولا يندرج تحت مسؤولياتهم الوطنية ، ولنا في المجتمع العماني خير نموذج لنجاحه بعزل الحالة الشعبية الوطنية بعامة ، عن صراعات الطوائف خارج حدود أرضهم .
* تعزيز الهوية الوطنية على حساب الهوية المذهبية والمناطقية والقبلية ، فجميعنا سمعنا وشاهدنا وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن تقسيم المملكة وتعرض خرائط متوقعة لمستقبلها ، وقد اشتملت الخرائط على إقامة دولة شيعية بالمنطقة الشرقية ، ولا يستبعد أن تكون العملية الإرهابية تابعة لذلك المخطط السياسي الخارجي ، ليتم إرهاب الشيعة وإقناعهم بأنهم ليسو بأمان مع شركاء الوطن الحالي ، فيتم نزع الثقة بين أبناء الشعب السعودي من الطائفتين ، ليتم تمهيد التقسيم بناءً على استعداد نفسي من جميع الأطراف . لكن ردات الفعل الوطنية خيبت آمالهم ومخططاتهم الغادرة ، وبما أنهم قد لا يستسلمون ، علينا المضي قدما بتعزيز مبدأ الهوية السعودية الوطنية على حساب كل الهويات الأخرى .
* وبما إن الجميع يؤكد على أن الإرهاب لا دين له ، فكذلك علينا تأكيد أن العمالة لا دين لها ، فلا هؤلاء الإرهابيون يمثلون السنة ، ولا عملاء إيران يمثلون الشيعة ، ولا بد من وضع حد لهذه الإسطوانة ومحاسبة من يكررها عند كل أزمة وكل حدث .
* يجب أن يبقى هناك دائما أولوية لمراجعة الموروث من معتقدات وأمور مذهبية ، فالشيعة لديهم الكثير مما يحتاج للتنقيح ، وكذلك السنة ، والتطرف بالجهتين متشابه ، وإن لم يصل أحدهما لمرحلة القتل إلى اليوم ، فقد يصل غدا ، إلا أن يراجع نفسه بموضوعية وبعيدا عن الوهم القائل بأن هناك من هو محصن ضد الإرهاب . ولكن عزيزي الشيعي لا تعتقد أنك مسؤول عن إصلاح الموروث السني ، وكذلك بالنسبة لك عزيزي السني ، فأنت لست مسؤولا عن إصلاح الموروث الشيعي ، لن يؤثر كل منكما إلا في موروثه ، ويمكنك سواء أنت أو هو ممارسة قدراتك الموضوعية والاستدلالية والمنطقية على كتبك ومعتقداتك ، ولينشغل كل طرف بذاته ، ويصلح مساره بعيدا عن المزايدات على الطرف الآخر .
أرجو أن لا تكون مخاوفنا بمحلها ، لا سيما وأن فاجعة الأحساء ، أظهرت للجميع مستوى الوطنية العالي جدا لدى الأحسائيين خاصة ، والسعوديين عامة ، فلا الأحساء انجرت للفتنة ، ولا المجتمع السعودي كذلك ، وهذا لا يعني التجاهل أو التعامي عن حالات الشماتة الطائفية من قبل بعض الشاذين ، أو عن تجاهل بعض خطباء الجمعة توجيه الدولة لإدانة الحدث ، فجميعهم رغم قلتهم يمثلون حالة لا بد من الحذر منها ..
كما إن جهود أجهزة الأمن وإنجازاتها أثبتت أن أمن الدولة قوي ومحصن بشكل عال ومطمئن ، وزيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وأخيه صاحب السمو الملكي الأمير سعود من نايف أمير المنطقة الشرقية ، كانت ذات دلالة ورمزية من الدولة وقياداتها ، فجميع أبناء الوطن بعين رعايتها وألمهم من ألمها ، وهذا العشم بقيادات مملكتنا الحبيبة . ولأننا لا نأمن غدر الأعداء وحقدهم ، لا بد من العمل على برنامج وقائي صارم ، فجميعنا بات يعلم بأن المسألة ليست مزحة ، والأحساء أطلقت صفارة الإنذار ، فهل من مجيب !؟
يسعدني ان اكون اول المعلقين
ردحذفاولاً اشكرك على هذا المقال الرائع والذي اراه منصف بحق الطائفتين
ويا ليت ان تتعلم منك الأخت كوثر الاربش كيف يكون الانصاف
اشكرك عزيزي طارق
شكراً لك وسعيد بتفاعلك وحضورك ..
حذف