الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

منطقنا الجاهلي !


طبيعة مجتمعاتنا لم تعتد على أن يكون لكل شخص رأيه ، فقد اعتادت على التنميط والصورة الواحدة الخالية من التنوع ، اللبس نفسه والفكر ذاته وتجارب الحياة لاتتغير وثبات في الذهنية السلوك و .. إلخ
لكن مع دخول أدوات التعبير ووسائله المتوفرة لأي صاحب رأي يرغب في ممارسة حقه في التعبير من أفراد المجتمع ، بدأت تلك الطبيعة بالتحول ، مما أثار حفيظة حراس الإرث والعادات والتقاليد الفاقدين لأدنى مستويات ثقافة الاختلاف ، الذين يرون عدم التضحية بالموروث ولو كان على حساب التضحية ببعض أفراد المجتمع وإقصائهم ..
وبطبيعة الحال اختلط الدين بذلك الموروث وصار من الطبيعي أن يبدأ الأفراد بالاختلاف حول بعض تفاصيله ما بين الرفض والقبول والتعبير عن ذلك ..
والردود العنيفة حاضرة بحجة إننا مجتمعات متدينة ومؤمنة ومحافظة ولها خصوصيتها ويجب احترام الرموز وعدم المساس بالمقدسات ، وإن احترام المجتمع يكون من خلال احترام ثوابته ، وذلك كله من باب الاقتداء بالأنبياء (ع) ، ومن يخالف ذلك التوجه يحق للمجتمع محاسبته ومعاقبته والتحريض ضده  ..
لكن هل فعلا ذلك هو منطق أو منهج الأنبياء (ع) !؟ هل فعلا هم ثاروا فكريا على تقاليد مجتمعاتهم وثوابتها لأنهم فكروا بتلك الطريقة التي تحترم الثوابت والمقدسات !؟ بالتأكيد لا ،  فالنبي ابراهيم (ع) كمثال ، بقي يتأمل ويفكر حتى وصل إلى قناعة مفادها إن مجتمعه يعيش حالة من التخلف والجهل والتخريف ، فلم يحترم حينها تخلفهم وحججهم وواجههم من خلال تحطيم مقدساتهم الاجتماعية ، واستفز عقولهم من خلال الإبقاء على كبيرهم وتحميله مسؤولية التحطيم بصورة لا تخلو من السخرية والاستهزاء بطريقة تفكيرهم ومنطقهم المتخلف بالعبادة ..
لكنهم أرادوا إحراقه بحجة عدم احترام المقدسات والإساءة للرموز والمساس بالثوابت !
وكذلك الحال مع النبي محمد (ص) حين انقلب على الجهل والتخلف في مجتمعه ، فلم يحترم تخلفهم بحجة الثوابت والمقدسات ، كما إن القرآن الكريم لم يجاملهم في ذلك ، فوصف الجامدين فكريا وعقليا بالأنعام بل هم أضل سبيلا ، وقال عن المتناقضين بأن مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا ، ولم يحترم هوى المتخلفين وقال بأن مثلهم كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، ناهيك عن الاستخفاف بالجاهلين ووصفهم بأنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون أو لا يفقهون ، وغيرها من إشارات ودلالات المنهجية النبوية التي لا ترى بأسا في عدم احترام تخلف المجتمعات وجهلها أو مراعاة مقدساتها ورموزها التي لا تضرهم ولا تنفعهم بالرغم من اعتقاد المجتمع آنذاك أنها من شفعائهم عند الله !
فنحن لا نجد في أدبيات المناهج النبوية أي احترام للثابت أو للمقدس أو للرمز الذي كان يحاكي تخلف مجتمعاتهم بحجة احترام المجتمع ..
قد يقول أحدهم لكننا لسنا أنبياء ، وهذا صحيح بلا شك ، ولا يوجد من يدعي ذلك أو يتوهمه ، ولكن أليس المنهج النبوي هو قدوتنا وعلى الجميع الاقتداء به بلا استثناء كما ندعي !؟ وإلا ما الفائدة من ترديد قصص الأنبياء والتغني بإنجازاتهم والتسمية بأسمائهم !؟
من الواضح جدا إن المناهج النبوية تدعو للتفكير والتجديد وترك الموروث البالي من الآباء والأجداد وليس التمسك به أو تقديسه ! فالمنهج النبوي تحرر من كل قيود المجتمع ، هو يدعو للحراك وليس إلى الثبات ، ويدعو للتقدم والتطوير ، وليس للتقهقر والتخلف !
إذن من أين أتتنا فكرة الالتزام بالثوابت وعدم نقد الموروث أو المساس بالمقدسات !؟ ومن الذي تحدث بذلك المنطق طالما إن الأنبياء (ع) لم تكن سيرتهم ومنهجيتهم منطلقة من كل ذلك !؟
واقعا نحن ورثناها من المجتمعات التي حاربت الأنبياء (ع) والمجددين ، فنحن نحب الأنبياء (ع) لكننا نقتدي بمن كفر بهم !
فهم أصحاب ذلك المنطق البالي الذي يدعو لاتباع الآباء والأجداد وتقديس ما لا ينفع ولا يضر ، وهم أصحاب فكرة أن احترام أفراد المجتمع هو ذاته احترام تخلفهم المؤطر بإطار الرموز والمقدسات !
وذلك المنطق الأعوج هو ما حولنا إلى مجتمع دوغمائي بامتياز ، لم يعد مجتمعا متجددا ومؤثرا حضاريا وفكريا ، أصبحنا نتغنى بتناقضاتنا ونتشدق بتخلفنا وخرافاتنا ، وكل ذلك من باب عدم المساس بالثوابت أو بالمقدسات و الرموز !
علينا التخلي عن ذلك المنطق الجاهلي والمتخلف ، والسماح للأفراد بالتفكير والتعبير والتساؤل بكل أشكاله وحدوده ، القوي يبقى قويا ولن يضره تساؤل هذا أو تشكيك ذاك ، وحدها الخرافات والجهل والتخلف من تحتاج لحراسة وقوى تحافظ على استمراريتها ، قولوا ما شئتم ودعوا غيركم يقول ما يشاء ، طالما إن أحدا لا يجبر الآخر ولا يضره ، فمناقشة الفكرة حق للجميع ، لكن دون إلغاء المسافة بين الفكرة وصاحبها ، أو بين الشخص ورأيه ، فيجب أن أحترمك كشخص وتحترمني كشخص ، أما الأفكار والآراء فلا حرمة لها ، واحترامي لحقك باختيار ما يناسبك منها لا يعني وجوب احترام ما اخترته ، فلا داعي للتهويل والتحريض والدعوة إلى محاكمة كل متسائل أو غير مجامل لثوابت التخلف والجهل ، فتلك الدعوات تعكس حجم الضعف والإفلاس وفقدان قيمة الفكر والمستقبل ..
فإن كنتم تعتبرون معتقداتكم سحابا وأفكار غيركم كلابا ، فمن أي ضرر أنتم قلقون !؟