اليوم لم نعد ذلك المجتمع المنغلق على ذاته ، الذي يعيش ما تلقّى من معتقدات وما لقّن من إيمان بحالة من الطمأنينة التي لا تتبدل ، حيث أصبحنا جزءاً من تشكيلة عقدية عالمية ..
لذلك طبعي أن تجد هناك عدة مذاهب في مجتمع واحد كأي مجتمع متنوع ومتعدد بين الإيمان وعدم الإيمان ، فلم تعد المسألة حكرا بين طائفتين كشيعي وسني !
بل أصبحنا نتشكل من جديد ، فتموت قناعات وتتولد قناعات أخرى ..
وبطبيعة مجتمعاتنا المتدينة والمحافظة فهي تقلق من التساؤلات الدينية وتخشى التبدل أو التغيير ، لا سيما إننا ننطلق من فكرة كوننا وحدنا على حق ، وبأن الدين بنسخته التي نؤمن بها نحن أهم ما نملك ولو على حساب الإنسان وفكره وتقدمه بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى ..
وهذا ما جعل كثيرا من مواقفنا وقناعاتنا تعتمد بشكل أساس على ما نعتقده من منظومة دينية خاصة ، وبواقع الحال فإن مشاكلنا وعنصرياتنا وتحزباتنا ونزاعاتنا تعتمد على ذلك أيضا ..
وبالرغم من إننا كمجتمع شيعي نعتبر أقلية مع المجتمع الأكبر ، وإننا أكثر من ينادي بالتسامح الديني والمذهبي ويدعو إلى حرية الاعتقاد وممارسته ، إلا إننا نسقط عند حد معين من حدود الإيمان لنكون كغيرنا من المتطرفين أو التكفيرين والإقصائيين ، وذلك لا يسمح بوجود تسامح ديني صادق حقيقي على أرض الواقع سواء بالنسبة لنا أو بالنسبة للجميع ..
فإذا كنا صادقين في دعوتنا علينا أن نفهم أن التسامح الديني ليس فقط مع من نرضى عن إيمانه ، ولن يكون إلا باعترافنا بأن الإيمان الديني بكل حدوده ومستوياته ، عبارة عن تصديق شخصي لا يمكن إثباته أو البرهنة عليه بشكل موضوعي قابل للتحقق فضلا عن إلزام غيرنا بالإيمان به أو تقديسه ..
حتى البراهين المدعاة التي تطرح بين فترة وأخرى ، جميعها تفيد الظن أو الترجيح بأفضل وأقوى حالاتها ..
وذلك أبدا لا يعني بأن الإيمان بهذا المذهب أو ذاك أمر غير صحيح بشكل مؤكد أو أنه علينا التخلص منه ، لكن أقصد من ذلك الإشارة إلى أن تسامحنا مع لايؤمن بما نؤمن به أمر ضروري بلا حدود ، حتى نتمكن من التسامح مع كل المعتقدات الدينية الأخرى أيا كانت ، لأنها في الواقع متساوية من الناحية الموضوعية والثبوتية ، ومن هنا لابد من التصالح الإنساني مع معتنقيها أو منكريها ، لأن ذلك أمر مطلوب طالما إنهم لا يلزمون الآخرين ولا يدعون للتفاضل بين البشر وفقا لهذا الإيمان أو ذاك .
علينا الاعتراف بأن ثقتنا بإيماننا مسألة شخصية بحتة ، وعدم الادعاء أنها حقيقة مثبتة تحملنا على التعامل مع الآخرين على أساسها ، لأن ذلك ينتج التطرف الإيماني أو الديني الذي نعيشه ونشهد تصاعده المرعب ، وتقوم بتغذيته واستغلاله قوى سياسية استكبارية تسعى وراء مصالحها على حساب الأبرياء ، جاعلة من هذا التطرف حطب أطماعها وهيمنتها ..
لكننا واقعا نتحمل مسؤولية ذلك ، فإذا قمنا بإصلاح ثغراتنا وانطلقنا من أرضية قوية متماسكة وجعلنا من الإنسان وتنميته أولوية على التبشير بالمذاهب والمعتقدات والدفاع عنها ، فإنه لن تتمكن تلك القوى الاستكبارية من استغلالنا ، وإن فعلت فسيكون بمقدورنا محاسبتها والوقوف في وجه استغلالها واستكبارها ، هذا إذا لم نكن في تلك الحالة قوة محل احترام يُحسب حسابها ويحذر من التصادم معها أو إضرارها ..