الاثنين، 19 أكتوبر 2015

نحن لسنا بخير !


جميعنا يشعر بالقلق نتيجة الخطورة التي نعيشها لا سيما بعد الاعتداء على الدالوة مروراً بالقديح والعنود وعسير ومؤخراً في سيهات ، وما بينهم من مداهمات أمنية واعتقالات كان ثمنها أرواحاً طاهرة ودماء زكية ..

تلك الجرائم لم تكن دون إنذار مسبق ، حيث هددت داعش علنا على لسان زعيمها البغدادي باستهدافها للملكة ، وقد حددت ثلاثة مكونات : الطائفة الشيعية ورجال الأمن وكل من ينتمي لأسرة آل سعود الكريمة ..
وذلك التهديد قبل عاصفة الحزم وقبل الاتفاق النووي الإيراني ، وتنفيذهم بدأ بجريمة الدالوة التي كانت قبل ذلك أيضا ..

وكتبت خلال العام عدة مقالات متعلقة بذلك ، أولها :
الأحساء تطلق صفارة الإنذار

وحين أرانا نقف بالمكان نفسه ، أجد أن لا شيئ جديدا يمكنني إضافته على ذلك ، غير إني سأشير لعدة نقاط كمواطن بسيط يعيش هذا القلق :

*الحديث عن وقف التحريض مطلوب من جميع الأطراف بلا استثناء ، لكنه يوجه لمؤسسات الدولة بشكل رئيس لسبب بسيط ، وهو إن المؤسسات الدينية والتعليمية تتبنى النهج المتطرف ذاته الذي تتبناه داعش بعقائدها وفقهها ، فكر ابن تيمية وتلامذته على سبيل المثال ، باتفاق الجميع وحتى من يتبنى فكره فإنه غير مقدس ولا معصوم ، ومن ذلك الباب أقول فكره لم يعد يتناسب مع هذا العصر ..
نلاحظ المنتمون لداعش من كل أنحاء العالم يتبعون إرثه وتوجهاته ، نحن تبنينا ذلك الإرث بالمدارس والجامعات وكذلك بالمساجد والمنابر والهيئات الدينية التابعة بالداخل والخارج ، بينما دول أخرى كتونس مثلا ، رغم عدم تبنيها لفكر ابن تيمية بالمؤسسات التعليمة ، إلا أن الكثير من مساجدها وحلقاتها الدينية تبنت ذلك الفكر فأنتجت عن طريقها متطرفين جاهزين للإغراءات الداعشية ..
السؤال : لماذا نحكر الإرث الإسلامي بابن تيمية وتوجهاته وتلامذته !؟ إن الإرث الإسلامي واسع وغني ، فبدلا من إحياء تراث ابن تيمية يمكن إحياء تراث ابن رشد مثلا ، فهو أيضا عالم مسلم يتبع الله ورسوله ، وذلك يراعي رغبة المجتمع بعدم تخليه عن الدين بالوقت الذي يجعلنا نتبنى آلية دينية منفتحة ومتسامحة بعيدا عن الانغلاق والتطرف وفتاوى التكفير الكارثية والتحريضية ..


*المعالجة الجذرية والفكرية والثقافية رغم أهميتها وضرورة البدء بها فورا ، إلا إنها حصانة للمستقبل ولن نحصد ثمارها عاجلا ، فالخطر العاجل والحالي مواجهته أمنية بالدرجة الأولى ، لذلك أعتبر تكاتف المجتمع مع رجال الأمن واجباً وطنياً وإنسانيا وعلينا جميعا الالتزام به ..


*التلذذ بالاستشهاد لا يعكس فكراً إنسانيا بناءً ، فالشهادة قدر ونتيجة وليست هدفا أو غاية ، وتحويلها إلى غاية يهدم ولا يخدم ، من يستشهد من أبناء المجتمع هم من خيرة الشباب وأحسنهم ، وحياتهم أولى من شهادتهم ..
نعم تلك الشهادة كانت نتيجة لهدف أسمى مثل حماية الإنسان وحماية الوطن ، فذلك هو الهدف الذي نتج عنه الاستشهاد وليس العكس ..
فأرجو أن لا نحول الشهادة إلى حلم يراود شبابنا ، علينا أن نعلي من قيمة الحياة بمقابل الموت بكل أشكاله وعناوينه ..



*شخصيا لا أجد معنى لتعزيز الهوية المذهبية وتعميقها كرد فعل على الاستهداف الداعشي ، أنت ستصرخ هيهات منا الذلة ولبيك يا حسين والله لن تمحو ذكرنا وتذهب بصدر عار إلى الحسينية أو المسجد ، والداعشي سيصرخ لا للذل ولا للهوان ولله العزة ولرسوله والله أكبر ويفجرك بحزامه الناسف بالحسينية ذاتها أو المسجد عينه !
أنت ستعتبر نفسك شهيدا للحسين ونصرته بروحك ، والداعشي أيضا سيعتبر نفسه شهيدا للحق ونصرته بروحه !
بتصوري المطلوب في مواجهة خطر كهذا ليس تحديا عقائديا على حساب الإنسان وسلامته ، بل حكمة تحافظ على أكبر عدد ممكن من الأرواح البشرية وتعزز الإمكانات الوقائية والدفاعية لحماية حياة الإنسان ، وذلك لا يعني ذلة ولا يعني هزيمة للحسين (ع) !



* المناسبات الشيعية الدينية كثيرة وليست فقط في محرم ، شخصيا أتحفظ على كثير منها لا سيما المتعلقة بالحزن والعزاء ، لكن اختلافي أو تحفظي لا يعني عدم إيماني بحق ممارستها بأمان لمن يؤمن بها ، وللحصول على أمان أعلى في ظل هذا الاستهداف والتهديد أتصور أن تخفيف التجمعات وتوزيع أعدادها يساعد في عملية تأمينها وحمايتها ، فعوضا عن تكدس أهالي الدمام والخبر في مداخل سيهات والقطيف -لاسيما مؤخرا مع زيادة نقاط التفتيش- وتجمعهم في ساحاتها بالمواسم ، أجد من الأنسب أن تسمح الجهات المعنية لهم بإقامة مجالسهم الحسينية ومناسباتهم في أحيائهم بالدمام أو الخبر ، بحيث تقل الأعداد في سيهات وتتوزع في مناطق سكنها مما يسهل تأمينها وحمايتها داخل أماكن مغلقة دون الحاجة للساحات والطرقات ..



الخطر والتهديد حقيقي بحجم الوطن ، ومواجهته لا يكفيه مقال ولا رأي ولا جهود فردية ، هذا وقت التلاحم والتعالي على المذاهب والعنصريات والحزازيات ، والعمل على خطة استراتيجية جذرية دينية وفكرية وثقافية واجتماعية ..
فنحن لسنا بخير وهناك خلل ما علينا مواجهته وإصلاحه !