"الهندرة" مصطلح عربي جديد في عالم الإدارة الحديثة مشتق من هندسة وإدارة ، يرادف أصل المفهوم الإنجليزي (Business Reengineering) ويفسر بأنه إعادة هندسة العمليات الإدارية ..
وتعني الهندرة البدء من نقطة الصفر ، وليس إصلاح وترميم الوضع القائم ولا إجراء تغييرات تجميلية أو تحسينية مع ترك البنية الأساسية ، كما لا تعني ترقيع ثقوب المنظمة أملا بنتائج أفضل !
الهندرة تعني التخلي عن إجراءات العمل القديمة وإعادة التفكير بصورة أساسية وإعادة التصميم الجذري للعمليات الرئيسة ..
وأجد من المناسب استعارة هذا المصطلح الذي يحمل مفهوما ضروريا في مجتمعنا للتعاطي مع منظومتنا الفكرية والثقافية والأخلاقية ، إذ لم يعد مناسبا بتصوري الدعوة إلى التغيير والإصلاح مالم يكن بصورة جذرية يشمل كل الأسس التي بنينا عليها مجتمعاتنا فكرا وثقافة وخُلقا ، لأنها تشكل علة أساسية كبرى في وجه أي تغيير فعلي نحو الأمام ، وغالبا ما يتم الدفاع عن تلك العلة تحت عنوان "خصوصيتنا" أو "هويتنا" ..
ولكن ما لا يستوعبه بعضنا إلى الآن إن تلك الخصوصية أو الهوية التي يدافعون عنها ، ويشترطون تناسب التجارب الحضارية معها ، حتى يقبلوا بتلك التجارب ، هي من أهم أسباب تخلفنا وعوائق تقدمنا !
نعم هناك مجتمعات لا تتعارض خصوصيتها مع التقدم والتحضر ، لكننا للأسف لسنا منهم !
فالتخلف والجهل من أساسيات منظومتنا الفكرية والثقافية والأخلاقية ، وهما عناصر رئيسة وبنية عقلية وجذرية في صميم وتركيب خصوصيتنا وهويتنا الاجتماعية والثقافية ..
ولا ينبغي لنا الإعلاء من شأنها أو الاستماتة في الدفاع عنها وتكريسها وكأننا عبيد تلك المنظومة أو الخصوصية المعيقة كعائق جذري وأساسي ..
بل علينا مراجعتها والتحرر من كل قيودها والتخلي عن مساوئها وعدم تقديسها أو تبريرها والسعي الفاشل والمجهد في تلميعها ..
لنسأل أنفسنا بكل وضوح وصدق وشفافية : لماذا نتمسك بهذه الفكرة أو المبادئ و ندافع عن تلك الثقافة أو العادات ونسعى لتكريس هذه الهوية والخصوصية !؟ هل ما نظن أنه حقيقة أساسية أو مقدسة هو فعلا كذلك !؟ وما هي الآثار الواقعية التي نجنينها من ذلك كله !؟ هل هي مفيدة حقا كما ندعي أو هل تشكل قيمة أو إضافة في سبيل تحقيق أهدافنا وإثبات ادعاءاتنا !؟
وإذا كان هناك من أجاب بنعم ؛ فليتابع السؤال : هل ما نملكه ونتمسك به وندافع عنه من قيّم وأفكار وهوية وخصوصيات ينتج لنا النموذج الأفضل واقعيا !؟
قد تبدو أسئلتنا أعلاه بسيطة وسهلة ، لكنها مهمة حتى نتمكن من الانطلاق نحو الأمام بدلا من الرجوع إلى الخلف أو مراوحة المكان بأفضل الحالات ..
نحن بحاجة إلى هندرة عقولنا وثقافتنا ومنظوماتنا الفكرية والأخلاقية ، وذلك يتطلب صدقا عالياً مع الذات ، بحثا عن تغيير جذري وأساليب بناء جديدة وبعيدة عن جذورنا البالية و أساسياتنا المهترئة والمعيقة !