الأربعاء، 4 ديسمبر 2024

السجن بحد ذاته مشكلة!

 


كسجين سابق عاش تجربة السجن بكل تفاصيلها، وكمهتم بقضايا العدالة وحقوق الإنسان، أؤمن اليوم أن السجن بمفهومه الحالي ليس حلاً للجريمة، بل هو مشكلة بحد ذاته، ويناقض العدالة الجنائية التي ينبغي أن تهدف إلى الإصلاح وليس الانتقام!


‏في السجن، رأيت أشخاصًا فقدوا إنسانيتهم قبل حريتهم، وآخرين تحولوا من مجرمين صغار إلى مجرمين أكبر لأن النظام لم يمنحهم فرصة للإصلاح، بل دفعهم نحو الغضب أو اليأس!

‏رأيت من كانوا بحاجة فقط إلى فرصة ثانية للإصلاح، لكنهم حُرموا منها بسبب نظام يركز على العقاب بدلًا من التأهيل..


‏السجون التقليدية لا تكسر دورة العنف، بل تغذيها!

‏خلف حواجز السجن وقضبانه، وجدت نفسي في بيئة مليئة بالقمع والعنف، حيث يُجرد الإنسان من كرامته ويُحاط بالعدوانية!


‏بدلًا من أن تعمل هذه البيئة على الإصلاح أو التأهيل، فإنها تُعمق مشاعر العداء والغضب، سواء تجاه المجتمع أو بين السجناء أنفسهم..


‏تتحول السجون إلى مدارس للجريمة، حيث يتبادل السجناء الخبرات الإجرامية ويتعلم البعض أساليب جديدة تُعيدهم إلى دوامة الإجرام بمجرد إطلاق سراحهم!


‏المشكلة لا تنتهي عند الإفراج عن السجين؛ فهو يواجه وصمة اجتماعية تُضيّق عليه فرص العمل وتُبعده عن الاندماج المناسب في المجتمع..

‏هذا الإقصاء يدفعه مرة أخرى إلى الجريمة، وكأن النظام يُعيد إنتاج دورة الإجرام بدلًا من إنهائها..


‏ما يحتاجه المجتمع ليس سجونًا تُعاقب، بل مراكز تأهيل تُصلح وتُعالج!


‏هذه المراكز يجب أن تُركز على إعادة دمج المذنبين في المجتمع كأفراد منتجين ومساهمين، عبر برامج تشمل التعليم والعلاج النفسي والتأهيل المهني..


‏ينبغي أن تكون بيئة تحترم الكرامة الإنسانية وتتيح للمذنبين وسائل للتواصل مع العالم الخارجي، مثل الإنترنت وأجهزة الهواتف المحمولة، حتى لا يفقدوا اتصالهم بالحياة!


‏والأهم أن يتمتع النزيل بحرية الخروج والدخول إلى المركز بشرط الالتزام بالبرنامج التأهيلي، مما يعزز شعوره بالمسؤولية والحرية، ويمنحه فرصة حقيقية للاندماج في المجتمع تدريجيًا..


‏بدلًا من العزل والعقوبات الانتقامية، يجب أن تُركز هذه المراكز على معالجة الأسباب الجذرية للجريمة، سواء كانت اجتماعية، أو نفسية أو اقتصادية..


‏كذلك، ينبغي أن توفر شعورًا حقيقيًا بالأمان لضحايا الجرائم من خلال منع تكرار الجريمة، بدلًا من إشباع مشاعر الغضب أو الثأر التي لا تنتهي!


‏إعادة تقييم مفهوم السجن ضرورة لا يمكن تجاهلها..


‏العقوبات يجب أن تكون أداة لإصلاح المجتمع وبناء العدالة، لا وسيلة لزيادة الألم وإعادة إنتاج الجريمة..

‏الإنسان غالبًا قابل للإصلاح إذا مُنح الفرصة والظروف المناسبة، لكن السجون التقليدية تسرق هذه الفرصة وتقتل تلك الظروف!


‏هذا النظام ليس مجرد مطلب أخلاقي أو إنساني متعلق بالسجون داخل السعودية فقط، بل هو ضرورة على مستوى العالم..


‏السجون التقليدية، أينما وجدت، تُعمق الفجوة بين السجين والمجتمع وتُعزز دورة العنف، مما يجعل إصلاحها خطوة حتمية لتحقيق عدالة واقعية!


‏رؤيتي ليست نابعة فقط من تجربتي الشخصية مع السجن، بل أيضًا من خلفيتي الأكاديمية في القانون وحقوق الإنسان، مما يدفعني للمطالبة بنظام جزائي أو عقابي أكثر إنسانية وفعالية وعدالة..


‏لنُعيد تعريف العدالة، لنكسر دورة الإجرام، فبناء نظام جديد ليس خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل هو واجب علينا جميعًا تجاه المذنبين والضحايا والمجتمع ككل..


‏حان الوقت لبدء عمل جاد حول إصلاح هذا النظام ليصبح أداة للشفاء والبناء بدلًا من أداة للهدم والانتقام..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق