السبت، 23 مايو 2015

الإرهاب له دين لا يعترف بالإنسان والأوطان !


كل كلمات الإدانة والتجريم ليست كافية لمواساة أهالي القديح بالقطيف ، الذين فقدوا شبابهم وأطفالهم بتفجير إرهابي ديني حاقد في داخل أحد المساجد الشيعية في يوم الجمعة ، بلا تفريق بين مسالم بريء وغيره ..

نعم التفجير يستهدف أمن الوطن ككل ، وقلتها منذ أحداث الدالوة إن ذلك النوع من الجرائم الإرهابية يسعى حسب تصوري لزعزعة الثقة بين أبناء الوطن على أساس طائفي ، بإطار خطة تم الحديث عنها مرارا بالخارج لفصل المنطقة الشرقية عن باقي المملكة ..

ومع تصوري أن هناك خطة وأيادي استخباراتية ، إلا أنه لا يغير شيئا أيا كانت تلك الخطة أو الأيادي فلا يمكنها عمل شيئا بوجود الأرضية المحصنة فكريا وثقافيا وغياب الأرضية المهيئة !

فالتربة الفكرية والثقافية الدينية التي ربينا عليها ، خصبة جدا لزرع كل أنواع العنصريات ولا سيما المذهبية والطائفية ..

هذا الذي فجّر نفسه وضحى بحياته لا يسأل عن المال ولا عن السلطة ولا عن المصالح الخارجية ، بل هو مؤمن تماما أنه يفجّر نفسه ليقتل كفارا يتقرب بهم إلى الله طمعا بالمكانة العالية بالجنة حيث الشهداء المخلصين لدينهم !

نعم هو والآلاف غيره من السعوديين الذين يقاتلون ويحاربون في صفوف داعش أو القاعدة وغيرهما من المنظمات الجهادية الدينية ، إرهابيون باتفاق الغالبية ، لكنهم متدينون بالنهاية ، يقومون بإرهابهم بناء على فتاوى دينية وتحريض ديني ودفاعا عن الدين ، جميعهم أبناء هذا البلد وهذا الوطن لم يأتوا من الخارج ، فهم يريدون الانتقام من شيعة إيران أو العراق ، والانتصار للسنة هناك من خلال شيعة الوطن وأمنه وسلمه الاجتماعي ، ورأينا من يبرر ويتفهم ذلك باسم الدين ووجوب الدفاع عن السنة أو عن عرض النبي (ص) كما يتوهمون !

ترديدنا لعبارة "الإرهاب لا دين له" هو مجرد هروب من حقيقة إن الإرهاب الذي نعيشه له دين !
تبرئة الدين المتداول تلميعا لصورته يكلفنا أرواحا بشرية بريئة وأوطانا  كانت تنعم بالأمن والأمان !
لسنا مضطرين للدفاع عن الدين الذي ابتكروه على حساب أرواحنا ، لأن الدين الرحمة جاء لخدمتنا وليس ليكون عبئا علينا ، نُقتل باسمه ومن خلاله ومع ذلك نستميت بتبرئته وتلميع صورته !
إذا كنا نريد معالجة الإرهاب جذريا فعلينا الاعتراف بدينه وفكره وثقافته ، وغير ذلك سنبقى على ما نحن عليه نردد الإرهاب لا دين له ونشهد بالوقت نفسه تنامي المجموعات الجهادية الدينية من كل الطوائف والمذاهب بالحجج والعقليات ذاتها ..

منذ حادثة الدالوة إلى تفجير القديح ، ماذا فهمنا وماذا غيرنا !؟ 

جاءت ما بينهما عاصفة الحزم باليمن على ضوء اعتداء الحوثيين وإرهابهم ، لنتفاجأ بتفسيرها على المنابر بأنها حرب على الشيعة ككل ! وبدأ التجييش والتحريض والدعاء بالهلاك عليهم من جديد ، ونسينا الدالوة ونسينا اللحمة الوطنية ونسينا أمن البلد ..

شخصيا مع قانون واضح في تجريم الطائفية ومغذيها والمحرضين عليها وكل خطب الكراهية ، وأتمنى صدوره وتطبيقه بشكل فعّال وعملي ، لا سيما وإننا نعيش عهد الحزم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ، وما أحوجنا لذلك الحزم في موضوع مؤرق وخطير كالتحريض الطائفي ..

لكن ذلك لن يكون كافيا وإن كان عاملا ضروريا ومطلوبا ، فحاجتنا الأساسية تبقى في معالجة جذرية ثقافية دينية وفكرية ، فنحن لسنا فقط متضررين من إرهاب خارجي ، بل نحن منتجين لكوادر إرهابية وشباب مقاتل بنسب عالية مقارنة مع غيرنا من البلدان والثقافات  ..

بتصوري مشكلتنا دينية ، والهروب من ذلك لا يخدم أحدا ، فلا زلنا نعيش هم الانتصار للدين ، وهم الانتصار للمذهب ، وهم محاربة الأحياء دفاعا عن الأموات أصحاب المكانة الدينية ، وكل ذلك على حساب الإنسان وفكره وتقدمه ..
وما دمنا في تلك العقلية فنحن غير مؤهلين لبناء أوطان ولا حضارة ولا للعيش بتقدم وازدهار ..

علينا الاقتناع بأن الله سبحانه ورسوله (ص) ودينه لا يحتاجون إلينا ، ولا لدفاعنا القاصر ، وعلينا إلغاء التمييز العنصري بناء على الدين ..

علينا إعادة برمجة عقولنا على إن الإنسان بما هو إنسان يبقى طاهرا معصوم الدم والمال والعرض ، أيا كان دينه وأيا كان ربه وأيا كان معتقده ..

فلا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن نكفِّر باسم الدين ، ولا تقل لي الإرهاب لا دين له  ونحن نفرق بتعاملنا مع الناس بناء على الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن ننجس البشر أو نطهرهم بناء على الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن نبيح دم الانسان لأنه بدّل الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن نحاكم الإنسان لأنه ازدرى الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن على استعداد لحرق الناس والدنيا ومافيها لأجل الدين ولأجل شخوصه الذين ماتوا من قبل ألف عام !


عالج ثقافتنا الدينية التي بطبيعتها تؤدي للتطرف والإرهاب ضد المختلف وعلى مر السنوات ، فلا يكفي أن نبيد البعوض دون أن نجفف المستنقع !
وقد سبقتنا أمم بالإرهاب الديني ، لكنهم واجهوا حقيقتهم وحيّدوا الدين وجعلوه حكرا بين العبد وربه ونهضوا وتقدموا ، بينما نحن رددنا الإرهاب لا دين له وبقينا على حالنا !

إن كنا نريد مجتمعا حضاريا ووطنا مزدهرا ومتقدما ومحصنا من إنتاج الإرهاب ، علينا بتنمية الإنسان دون أن نشغل أنفسنا بدينه وإيمانه وكفره !

آن الآوان لنتعلم من تجاربنا وتجارب من سبقونا للحضارة ، حتى لا نبقى نعيش في دوامة من الحمق لا نخدم فيها أحدا ، فلا نحن الذين قدمنا نموذجا دينيا يناقض داعش ، ولا نحن الذين خدمنا الإنسان ، ومع ذلك نعيش غرورا وزهوا بالنفس وغطرسة ليس لها مثيل ، معتقدين بحسد الآخرين لنا لأننا أفضل الأمم والمجتمعات في هذا العالم ، والكل يتآمر علينا لفضائلنا وخصالنا الرفيعة ، وليس استغلالا لجهلنا وحماقتنا !


الأحد، 3 مايو 2015

أصل الأنواع بين العلم والأدلجة



"أرى في المستقبل البعيد مجالات مفتوحة لأبحاث أكثر أهمية"
* تشارلز داروين

تلك كانت رؤية داروين صاحب كتاب أصل الأنواع الشهير ، الذي لا زال يثير جدلا بين الأوساط الأيديولوجية الدينية تحديدا ، في الوقت الذي اعتمد عليه الوسط العلمي ليجعل منه انطلاقة حقيقية لاكتشافات أكثر أهمية وتثبتا وسدا لثغرات نظرية داروين كما توقع داروين نفسه ، ولا يزال القادم أوسع ..

الجدير بالذكر إن مسألة الأصل البشري وأصول الحياة هي من المسائل التي شغلت بال الإنسان منذ سنوات عديدة ، وهناك كثير من المحاولات في تفسير ذلك الأصل وتعليله وكيفية وجوده ونشأته ، أما أهم ما طرح حول ذلك فقد اختصره ديڤيد باس في كتابه "علم النفس التطوري" في ثلاث نظريات بارزة :

١- نظرية الخلق :
وهي نظرية تقوم على فكرة إن هناك إرادة سامية (إلهية) خلقت كل شيء بلا استثناء ، وهي نظرية تشترك بفكرتها غالبية الأديان وأشهرها مع اختلاف متفاوت ببعض التفاصيل ، لكنها نظرية خاضعة للتصديق الشخصي أو الاعتقاد الديني وليس لها أي دور في المجال العلمي ، فهي لا يمكن اختبارها أو استنتاج توقعات تجريبية نوعية حول ادعاءاتها الكبرى ، كما إنها لم ترشد الباحثين إلى أي اكتشافات علمية جديدة ، بالإضافة لعجزها عن برهنة جدواها كنظرية تنبؤية أو تفسيرية علمية للآليات العضوية المكتشفة ..
لذلك هي نظرية غير علمية حسب مقاييس العلم ، فلا يمكن تفنيدها أو البرهنة على خطئها ، كما لا يمكن البرهنة على جدواها ..

٢- نظرية البذار :
ويذهب أتباع هذه النظرية إلى القول إن الحياة لم تبدأ على الأرض ، بل كانت هناك بذور للحياة خارج الأرض ووصلت إليها إما من خلال أحد النيازك ، أو من خلال كائنات فضائية مجهولة لكنها ذكية جدا بحيث زرعت البذور في الأرض وعادت لمجرتها أو كوكبها ..
وهي نظرية ضعيفة علميا خالية من أي دليل على الأرض ، وإن كانت قابلة للاختبار من حيث المبدأ ، إلا إنها لم تؤدِ إلى اكتشافات علمية جديدة ولم تفسر لغزا علميا قائما ، ولم تجب - على فرض صحتها - ما هي أسباب وجود أو أصول تلك الكائنات أو البذور !؟

٣- نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي :
أو ما تعرف بنظرية داروين ، وهي وإن كانت لا يزال اسمها نظرية ، إلا أن مبادئها الأساسية تم إثباتها مرارا وتكرارا ، وإلى اليوم لم يتمكن أحدهم من إثبات بطلانها ، ولذلك يتم اعتبارها بيولوجياً بمثابة واقعة فعلية ..
كما أنها تحقق أبرز الفضائل التي يبحث عنها العلماء في النظرية العلمية العميقة ، حيث إنها تنظم الوقائع المعروفة ، وتؤدي إلى تنبؤات جديدة ، وتوفر دليلا مرشدا لمجالات مهمة من الاستقصاء العلمي ..

وكون العلم يسمح دائما بالشك فاتحا الباب لإمكانية قدوم أي نظرية أخرى أفضل منها بالمستقبل ، إلا إنه لا يعني أن هناك مقارنة فعلية أو علمية بين النظريات الثلاث : الخلق والبذار والتطور بالانتقاء الطبيعي ، فالأخيرة هي النظرية العلمية الوحيدة التي يمكنها تفسير التنوع المذهل للحياة ، مع امتلاكها القدرة على تعليل أصول وبنى الطبيعة البشرية بشكل علمي يمكن إثباته والاعتماد عليه ..

ففي الوقت الذي تعتبر فيه نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي حجر أساس في علم الأحياء الحديث ، نجد المؤدلجين لا زالوا يرددون : «يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما» 
مساوين بين اعتقاداتهم وإدعاءاتهم وبين العلم ، معتبرين أن العلم لم يقر بحقيقة التطور بعد ، متجاهلين أن العلم لا يطرح القناعات بشكل دوغمائي وجامد ونهائي ، ومع ذلك لا يترددون ولا يستحون من محاسبة من ينكر إدعاءاتهم لافتقارها إلى برهان ، في الآن الذي يعتبرون فيه التصديق بالعلم التطوري كفراً وتجاوزاً حسب فهمهم الإقصائي ..