الاثنين، 29 يونيو 2015

دمشقيات رمضانية

سلسلة دمشقيات رمضانية من مجموعة الرأي الآخر ، تحت محور عادات الشعوب في شهر رمضان الكريم ..


دمشقيات رمضانية 1⃣

يطول الحديث عن العادات الرمضانية في سوريا ، وقد يصعب حصرها كون سوريا عدة مجتمعات في بلد واحد تعيش بعض الاختلافات فيما بينها ببعض العادات والتقاليد ..

لكني سأتحدث عن عادات مدينة دمشق تحديدا ، أو "الشام" كما يحلو لأهلها وبقية السوريين تسميتها ، وذلك لقربي منها وشعوري بالانتماء إليها ، فهي مدينة أمي وأهلي في سوريا الحبيبة ..

طبعا الجدير بالذكر ، إن رمضان الدمشقي حاليا تناقصت فيه كثير من العادات والتقاليد نتيجة الأزمة الدامية والمهلكة نفسيا وماديا هناك ، فاليوم رمضان يكاد يخلو من الزيارات نتيجة تدهور الوضع الأمني وخوف الناس من الخروج من بيوتها والتنقل بين المناطق والأحياء لا سيما ليلا ، وتكاد ينقطع تبادل أطباق الأطعمة بين البيوت والجيران ، ولم يعد التموين الغذائي للشهر كما كان سابقا ، نتيجة الغلاء الفاحش جدا في أسعار المأكولات من لحوم وألبان وأجبان وكل أنواع الأطعمة والمواد الغذائية ، وإلى اليوم لم تستقر الأوضاع وتثبت العادات الطارئة نتيجة الأزمة ..

لذلك حديثي عن رمضان قبل الأزمة بشكل أساسي ، التي لا زالت بعض الأسر والعوائل تحرص على تحقيق جميع العادات كشكل من أشكال التحدي والتعبير عن الرغبة بالحياة بشكل طبعي رغم الصعوبات والظروف ..

يتبع >>
________________


دمشقيات رمضانية 2⃣

يبدأ الاستعداد لرمضان قبل قدومه من خلال بعض العادات في شعبان ، أشهرها "تكريزة رمضان" وهي سيران عائلي يبدأ مع بداية اليوم في أحد أرياف دمشق الجميلة ، مثل الربوه أو عين الفيجة وبعضهم في يعفور ، المهم عادة أن تكون على ضفاف نهر ، قد يجتمع في "التكريزة" أيضا المعارف المقربين والأصدقاء ، هي أشبه بتوديع الفطر والاستعداد للصيام ، من خلال حفلة طعام مليئة بما لذ وطاب من سلطات ومقبلات ومشاوي وفواكه ، وعادة يتم إعداد الطعام بالكامل خلال الطلعة من قبل نساء العائلة ؛ وهناك من يساعدهم من الرجال الذين ينشغلون عادة بلعب الطاولة أو الشدّة (ورق اللعب) ..

قد يصطحبون معهم عودا أو طبلة ، وتجد الشباب يعزفون ويغنون ،  في أجواء جميلة جدا مليئة بالبهجة والوئام والحب ..

تستمر الرحلة التي تشمل عادة الفطور والغداء ، والعشاء أحيانا ؛ إلى الليل ويعودون إلى بيوتهم ..

يتبع >>
______________________


دمشقيات رمضانية 3⃣


يدخل شهر رمضان على دمشق بالحب والكلمة والطيبة وصلة الرحم والزينة ، فتسمع عبارات التهنئة من كل مكان حولك ، والزيارات العائلية تكون في عزها ، وتجد الحارات القديمة تتلألأ بالأنوار وبعضهم يضيف على الأبواب بعض الآيات القرآنية ، و الأسواق الشعبية مثل سوق الحميدية وسوق الحريري والبزورية وغيرها مليئة بالزينة والظواهر الاستثنائية احتفاءً برمضان ..

تكثر البسطات والباعة المتجولون لبيع أشهر المأكولات والمشروبات التي ارتبطت برمضان الدمشقي ..

فلا يمكنك أن تتمشى بشوارع الشام خلال الشهر الفضيل دون أن تلاحظ انتشار عربات "الناعم" ، والناعم أكلة شعبية خفيفة ارتبطت برمضان عبارة عن عجينة (رغيف رقيق) تشبه الخبز يتم تحضيرها بشكل خاص مابين الشوي والقلي ، ومع تغطيتها بالدبس السائل المذاب على شكل خيوط متداخلة تكون جاهزة للأكل ..
وكذلك يكثر باعة "المعروك" وهو نوع من المعجنات أو المخبوزات ارتبط محليا بالشهر الفضيل ..

بالإضافة للتسقية التي لا تخلو مائدة منها في رمضان ، بالإضافة للأطباق الرئيسية الرمضانية ولا سيما تلك المطبوخة باللبن ، مثل "شيخ المحشي" وهو كوسا محشية باللحم تطبخ باللبن وتقدم مع الأرز بالشعيرية ، وكذلك أكلة "الشاكرية" لحم طري مطبوخ باللبن ، أو "الباشا وعساكره" وهي قطع عجين محشية باللحم مع كبة لبنية تطبخ سويا باللبن ، وغيرها الكثير من الأطباق ..

والحلو "النهش" وعادة لا يظهر إلا برمضان ويتم بيعه بكثرة ، وعو عبارة عن رقائق من العجين المسقى بالحليب والسمن البلدي والسكر والمحشو بالقشطة ..
أو الوربات بقشطة مع الفستق وغيرها من الحلويات الدمشقية ..

وبالنسبة للمشروبات فقد ارتبط مشروب "العرق سوس" برمضان ، حتى يكاد لا تخلو مائدة رمضانية دمشقية من ذلك المشروب إلا فيما ندر ، بالإضافة لمشروب قمر الدين و التمر الهندي أو التوت الشامي في بعض الأحيان ..

الفواكه بأنواعها الغنية هناك ، مهمة جدا بين الفطور والسحور ، ورفيقة الجلسات والاستقبالات خلال الشهر ..
السحور عادة أخف من الفطور ، ويتم التركيز باحتوائه على الخضار وبعض الأطعمة كالجبن والزيتون والبيض والزعتر والمربى بأنواعه ، والمشروب الرئيسي على السحور هو الشاي ..

يتبع >>
_____________________


دمشقيات رمضانية 4⃣


في رمضان تحديدا تزدهر فرق المولوية أو الدراويش وفرق الإنشاد الديني والمدائح النبوية ، وجميعها تقريبا تعتمد على الموشحات الصوفية ، ويتم استضافتها بالحارات القديمة وبعض الجوامع ، وتسمى رقصة المولوية شعبيا بـ "فتلة الدراويش" ، وتكون محل جذب للكثيرين ، وبالسنوات الأخيرة ومع دخول ثقافة الخيمات الرمضانية إلى دمشق أصبحت هي الأخرى تحرص على استضافة العديد من تلك الفرق ..

اللافت أن المراكز الثقافية الأجنبية في دمشق ، مثل المركز الثقافي الأسباني أو المركز الثقافي الروسي وغيرهم ، أصبحت أيضا تستضيف تلك الفرق ولا سيما "فتلة الدراويش" في فعالياتهم المقامة خلال شهر رمضان ..

وتزداد الجوامع التي تقيم برامج دروس دينية في ليالي رمضان ، ولها مرتادوها ومحبوها ، لفتني في إعلان أحد الدروس أن التركيز لم يكن على الفقه أو العقيدة ، بل كان عبارة عن سلسلة من الحلقات اليومية خلال الشهر عن التعامل الحسن ومكارم الأخلاق !

كما إنه يوجد هناك صالونات ثقافية محلية خاصة برمضان ، وغالبا تحت إشراف المديريات الثقافية ، نشطت مؤخرا مديرية الثقافة بريف دمشق من خلال حرصها على جعل الصالون الثقافي في رمضان متميزا وجاذبا باستضافتها لفنانين ورسامين وموسيقين وغيرهم ..

لكن الأجواء الشعبية البسيطة هي الأطغى على الأجواء ، فإلى اليوم رغم الأزمة تسمع صوت مدفع الإفطار - وكأن ناقصهم أصوات مدافع - ، ولا زال المسحراتي يتجول في حارات دمشق بترديد شعاراته الشهيرة "يا نايم قوم وحد الدايم" ، ويطلق عليه محليا اسم "أبو طبلة" وذلك لمرافقة الطبلة معه في جولاته ..

كما أن مقهى "النوفرة" الدمشقي الشهير ، لا زال يحرص على استضافة "الحكواتي" في ليالي رمضان ، واللافت هو الازدحام الحاصل حوله على الرغم من التقدم المرئي والمسلسلات التلفزيونية ، لكن يبدو بأن لكل "جو" جماهيره ، ولا زال الحكواتي يجذب جزءا من الجمهور بمختلف الأعمار خلال شهر رمضان المبارك ..

من العادات السيئة ارتباط "الأرجيلة" أو المعسل بجميع الجلسات الرمضانية في دمشق ، سواء المقاهي أو الخيم الرمضانية ، وحتى شرفات المنازل ، ولها قبول شعبي كبير جدا رغم مضارها الصحية على الإنسان ..

يتبع >>

___________________


دمشقيات رمضانية 5⃣


هناك تصنيف شعبي يردده بعضهم لاختصار رمضان بجملة : مرق وخِرَق وصر ورق !

حيث يتم تسمية العشرة الأولى من رمضان بـ "المرق" إشارة لإقبال الناس على المرق والطعام والانشغال به بشكل كامل تقريبا خلال تلك الأيام ..

والعشرة الثانية بـ "الخِرَق" إشارة لانشغال الناس خلالها بشراء الملابس الجديدة والاستعداد لكسوة العيد ، وهي محل اهتمام كبير للدرجة التي قد يتعرض فيها الطفل للتعيير من قبل بقية الأطفال إن لم يكن مرتديا لبسا جديدا ومرتبا بالعيد ، وقد يتعرض الكبير أيضا للغيبة من قبل بعض الكبار ..


والعشرة الأخيرة بـ "صر ورق" وفيها تنشغل البيوت بالتجهيز لحلوى العيد ، هناك من يشتري الحلوى جاهزة من محلات الحلويات الدمشقية الشهيرة بالميدان مثلا ..
لكن يمكن اعتبار الأغلبية أنها تقوم بتجهيز الحلوى منزليا ، ولتجهيز الحلوى مكانة في البيوت الدمشقية وأهمية لافتة ، بعضهم يفضل المعمول سواء بالفستق الحلبي أو بالتمر ، أو الكنافة بأنواعها المبرومة والنابلسية وغيرها ..


الدمشقيون بعامة يحبون الحياة وكثير منهم يتحدى الظروف والصعوبات ، ويتألمون على بلدهم وحال مدينتهم وتدهور الأوضاع من سيء إلى أسوأ ، وشخصيا أعيش جزءا من ذلك الألم وفي القلب حرقة وحسرة على بلد كان يسير على خطى من التقدم والازدهار ولم يكن في جمود أو في طريقه نحو التراجع ، أشعر دائما بأني ابن سوريا وابن الشام مدينة الياسمين (دمشق) ، ولا زلت آمل أن تعود أفضل وأقوى مما كانت ، وأن تعود العافية لرمضانها وأعيادها وأيامها ..

ويبقى الحصر في موضوع كهذا صعبا جدا ، لكن ذلك أبرز ما جاء في بالي مع التحية ..


* انتهى 




الأربعاء، 3 يونيو 2015

ماذا كشفت عنود الدمام !؟

وضرب الإرهاب مدينة الدمام الحبيبة ، هذه المدينة التي عانت بنيتها التحتية من الشيخوخة المبكرة رغم حداثة سنها ، بالإضافة إلى الشعور الدائم لدى كثير من أهلها بأنها مدينة عمل فقط ، ليبقى انتماؤهم لمدنهم الأصلية هو الأقوى !

راح ضحية ذلك الإرهاب أبطال شهداء لن ينساهم مسجد الإمام الحسين (ع) ولن تنساهم العنود والدمام والمنطقة ولن ينساهم التاريخ ، تصدوا للعار والخزي والوحشية بأجسادهم وأرواحهم ، في سبيل حماية الآخرين والحفاظ على حياتهم وسلامتهم ..

موقف أهاليهم يعكس نموذجا استثنائيا بالتعامل مع الحدث ، كان موقف كل أم وكل أب من هؤلاء الشهداء حكاية ودرساً من نوع آخر ترك أثره بالنفوس والعقول معا ..

كل المواطنين تفاعلوا مع الحدث ، كانت صدمة غير متوقعة لاسيما أن الناس لم تفق بعد من فاجعة القديح التي كانت قبلها باسبوع واحد فقط ، نتيجة تفجير انتحاري نجح منفذه بالدخول إلى عمق المسجد هناك وراح ضحيته كوكبة من الشهداء ..

شخصيا ؛ أعجبت بهذه اللحمة الاجتماعية التي طغت على الأحداث ، كما كان تفاعل الأهالي والمتطوعون المتفانون في خدمة مواكب التشييع والعزاء محل إعجاب كبير ، اللجان والتنظيم والتجهيز والترتيب ، كله يكشف عن قدرة هائلة على العطاء والإحساس بالمسؤولية ..

لكن أقلقني من بين كل تلك الإيجابيات والدروس ، العناوين التي غطت الأذهان بالحدث الأخير بعنود الدمام ..

لا اختلاف حول شرف الشهادة ورفعتها ، لكن عقلية القرابين وثقافة الموت التي ملأت الأحاديث تدعو للقلق !
بتصوري لم يكن باقيا إلا القليل فقط ؛ ليتم تقديم شكر لداعش كونها فجرت الشباب وحولتهم إلى شهداء ! وكثرت رغبات الشباب بالاستشهاد بذات الطريقة ، وتحت عناوين دينية من قبيل : "الشهادة بخط أبا عبدالله" و "طريق أهل البيت" !

وبذلك نعزز الدعوة للموت بعنوان الشهادة ، تماما كما تعزز داعش الدعوة للموت وترغيبه بين منتسبيها بعنوان الشهادة أيضا !

باعتقادي علينا محاربة ثقافة الموت بكل أشكالها ، وذلك لا يعني محاربة الموت ذاته الذي هو حق علينا جميعا ..
لكن الموت في وقته وتبعا لظروفه وبعد انتهاء دورة الحياة الطبيعية لكل منا ، من تنتهي حياته قبل ذلك نتيجة تفجير إرهابي هو شهيد بلا شك ، لكن لا ينبغي أن نكون سعداء ! وأن نجعل من ذلك حلماً لبقية الشباب الأحياء ، ولا أن نستقبله بعقلية القرابين للأئمة الأموات (ع) أو للرموز والمقدسات !

دماؤنا جميعا غالية ، وعلينا أن نطمح للبقاء وأن نحب الحياة ونسعد حين يموت كل منا في فراشه وبعد انتهاء دورة حياته بشكل طبعي ، ونفخر به حين يترك أثره بالجمال والفن والعطاء الإنساني ..

الاستشهاد حالة طارئة وليست هدفا نطمح إليه أو ندعو له وإن كان ذلك بعناوين دينية جذابة !
لكنها تخطف الشباب وتخطف عطاءهم وتخطف أحلامهم وطموحاتهم .

ومن جهة أخرى ؛ كما وجدنا المكون الاجتماعي للشيعة رغم مصابهم صابرين ومتسامحين مع الآخر ومتمسكين بالوحدة والحكمة ، إلا أنه من اللافت التشدد والعنف الفكري مع المختلف بالداخل !

محاولة إقصاء الأستاذة كوثر الأربش من الحدث وسلبها أمومتها وشرف استشهاد ابنها بأبشع الطرق والوسائل ، لم يكن لائقا بمجتمع يتغنى بطيبته وتسامحه ، ويطرح عدة علامات استفهام حول المبادئ والقيم والأخلاقيات التي ندعي تمتعنا بها !

وكذلك الاعتداء الجسدي الذي تعرض له الأستاذ وليد سليس أثناء تشييع أحد شهداء القديح في وضح النهار وأمام الناس ، يعكس مؤشرا خطيرا في طريقة تعاملنا مع من يختلف معنا في أفكارنا ومواقفنا ..

علينا التشديد على مراجعة الذات ، والحذر من الانزلاق في فخ الانتصار للمذهب في ظروف كهذه ، وأن يبقى تركيزنا على الإنسان وتنميته أيا كان فكره أو معتقده أو توجهه ، بعيدا عن الإقصاء والمزايدة وتعزيز الهويات المذهبية ، فكل ذلك قنابل موقوتة ووسائل تحريضية قد تؤدي إلى أمور مدمرة ..

جميعنا في هذا المجتمع شريك في مواجهة الخطر وتحمل المسؤولية والعمل على تعزيز أفراده إنسانيا بما يتناسب مع حقوقهم وحرياتهم الفردية ..

أثق بقوة جهازنا الأمني وقدرته على مواجهة الخطر الداعشي ، لكن القلق والخوف والحذر الإيجابي والأخذ بالاحتياطات على محمل الجدية العالية أمر مطلوب ، إذ لا أحد منا يعلم ما تخبئه لنا الأيام القادمة ، قد نكون جميعا أمام مواجهة كبرى لا تقل خطورتها عما يجري بالمنطقة !
تحتم علينا الترفع عن النزاعات والصراعات وتأجيجها ، وأن نقف صفا واحدا منيعا ضد كل محاولات زعزعة أمننا وسلمنا الاجتماعي ، والعمل على خطة جذرية ثقافية ومذهبية ودينية ، بالإضافة للدور الأمني البالغ الأهمية الذي يقع على عاتق الدولة ..

همسة : لا نأمن للمذاهب فهي لن تحمينا !

تحية وفاء وامتنان لأرواح الشهداء : محمد جمعة الأربش وأخوه عبدالجليل ، ومحمد حسن العيسى ، والسيد هادي الهاشم ، حماة الإنسانية والسلام والمحبة !
ولعوائلهم الكريمة وأمهاتهم وآبائهم الشرفاء كل العزاء والمواساة والتقدير والاحترام ..