الأربعاء، 3 يونيو 2015

ماذا كشفت عنود الدمام !؟

وضرب الإرهاب مدينة الدمام الحبيبة ، هذه المدينة التي عانت بنيتها التحتية من الشيخوخة المبكرة رغم حداثة سنها ، بالإضافة إلى الشعور الدائم لدى كثير من أهلها بأنها مدينة عمل فقط ، ليبقى انتماؤهم لمدنهم الأصلية هو الأقوى !

راح ضحية ذلك الإرهاب أبطال شهداء لن ينساهم مسجد الإمام الحسين (ع) ولن تنساهم العنود والدمام والمنطقة ولن ينساهم التاريخ ، تصدوا للعار والخزي والوحشية بأجسادهم وأرواحهم ، في سبيل حماية الآخرين والحفاظ على حياتهم وسلامتهم ..

موقف أهاليهم يعكس نموذجا استثنائيا بالتعامل مع الحدث ، كان موقف كل أم وكل أب من هؤلاء الشهداء حكاية ودرساً من نوع آخر ترك أثره بالنفوس والعقول معا ..

كل المواطنين تفاعلوا مع الحدث ، كانت صدمة غير متوقعة لاسيما أن الناس لم تفق بعد من فاجعة القديح التي كانت قبلها باسبوع واحد فقط ، نتيجة تفجير انتحاري نجح منفذه بالدخول إلى عمق المسجد هناك وراح ضحيته كوكبة من الشهداء ..

شخصيا ؛ أعجبت بهذه اللحمة الاجتماعية التي طغت على الأحداث ، كما كان تفاعل الأهالي والمتطوعون المتفانون في خدمة مواكب التشييع والعزاء محل إعجاب كبير ، اللجان والتنظيم والتجهيز والترتيب ، كله يكشف عن قدرة هائلة على العطاء والإحساس بالمسؤولية ..

لكن أقلقني من بين كل تلك الإيجابيات والدروس ، العناوين التي غطت الأذهان بالحدث الأخير بعنود الدمام ..

لا اختلاف حول شرف الشهادة ورفعتها ، لكن عقلية القرابين وثقافة الموت التي ملأت الأحاديث تدعو للقلق !
بتصوري لم يكن باقيا إلا القليل فقط ؛ ليتم تقديم شكر لداعش كونها فجرت الشباب وحولتهم إلى شهداء ! وكثرت رغبات الشباب بالاستشهاد بذات الطريقة ، وتحت عناوين دينية من قبيل : "الشهادة بخط أبا عبدالله" و "طريق أهل البيت" !

وبذلك نعزز الدعوة للموت بعنوان الشهادة ، تماما كما تعزز داعش الدعوة للموت وترغيبه بين منتسبيها بعنوان الشهادة أيضا !

باعتقادي علينا محاربة ثقافة الموت بكل أشكالها ، وذلك لا يعني محاربة الموت ذاته الذي هو حق علينا جميعا ..
لكن الموت في وقته وتبعا لظروفه وبعد انتهاء دورة الحياة الطبيعية لكل منا ، من تنتهي حياته قبل ذلك نتيجة تفجير إرهابي هو شهيد بلا شك ، لكن لا ينبغي أن نكون سعداء ! وأن نجعل من ذلك حلماً لبقية الشباب الأحياء ، ولا أن نستقبله بعقلية القرابين للأئمة الأموات (ع) أو للرموز والمقدسات !

دماؤنا جميعا غالية ، وعلينا أن نطمح للبقاء وأن نحب الحياة ونسعد حين يموت كل منا في فراشه وبعد انتهاء دورة حياته بشكل طبعي ، ونفخر به حين يترك أثره بالجمال والفن والعطاء الإنساني ..

الاستشهاد حالة طارئة وليست هدفا نطمح إليه أو ندعو له وإن كان ذلك بعناوين دينية جذابة !
لكنها تخطف الشباب وتخطف عطاءهم وتخطف أحلامهم وطموحاتهم .

ومن جهة أخرى ؛ كما وجدنا المكون الاجتماعي للشيعة رغم مصابهم صابرين ومتسامحين مع الآخر ومتمسكين بالوحدة والحكمة ، إلا أنه من اللافت التشدد والعنف الفكري مع المختلف بالداخل !

محاولة إقصاء الأستاذة كوثر الأربش من الحدث وسلبها أمومتها وشرف استشهاد ابنها بأبشع الطرق والوسائل ، لم يكن لائقا بمجتمع يتغنى بطيبته وتسامحه ، ويطرح عدة علامات استفهام حول المبادئ والقيم والأخلاقيات التي ندعي تمتعنا بها !

وكذلك الاعتداء الجسدي الذي تعرض له الأستاذ وليد سليس أثناء تشييع أحد شهداء القديح في وضح النهار وأمام الناس ، يعكس مؤشرا خطيرا في طريقة تعاملنا مع من يختلف معنا في أفكارنا ومواقفنا ..

علينا التشديد على مراجعة الذات ، والحذر من الانزلاق في فخ الانتصار للمذهب في ظروف كهذه ، وأن يبقى تركيزنا على الإنسان وتنميته أيا كان فكره أو معتقده أو توجهه ، بعيدا عن الإقصاء والمزايدة وتعزيز الهويات المذهبية ، فكل ذلك قنابل موقوتة ووسائل تحريضية قد تؤدي إلى أمور مدمرة ..

جميعنا في هذا المجتمع شريك في مواجهة الخطر وتحمل المسؤولية والعمل على تعزيز أفراده إنسانيا بما يتناسب مع حقوقهم وحرياتهم الفردية ..

أثق بقوة جهازنا الأمني وقدرته على مواجهة الخطر الداعشي ، لكن القلق والخوف والحذر الإيجابي والأخذ بالاحتياطات على محمل الجدية العالية أمر مطلوب ، إذ لا أحد منا يعلم ما تخبئه لنا الأيام القادمة ، قد نكون جميعا أمام مواجهة كبرى لا تقل خطورتها عما يجري بالمنطقة !
تحتم علينا الترفع عن النزاعات والصراعات وتأجيجها ، وأن نقف صفا واحدا منيعا ضد كل محاولات زعزعة أمننا وسلمنا الاجتماعي ، والعمل على خطة جذرية ثقافية ومذهبية ودينية ، بالإضافة للدور الأمني البالغ الأهمية الذي يقع على عاتق الدولة ..

همسة : لا نأمن للمذاهب فهي لن تحمينا !

تحية وفاء وامتنان لأرواح الشهداء : محمد جمعة الأربش وأخوه عبدالجليل ، ومحمد حسن العيسى ، والسيد هادي الهاشم ، حماة الإنسانية والسلام والمحبة !
ولعوائلهم الكريمة وأمهاتهم وآبائهم الشرفاء كل العزاء والمواساة والتقدير والاحترام ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق