الجمعة، 7 أكتوبر 2016

عاشوراء بين الاحترام والازدراء !


في الوقت الذي نستهلك فيه قشور التحضر من أبنية وأجهزة إلكترونية محمولة وسيارات  .. إلخ ، نجد أننا لا زلنا متخلفين فكريا وثقافيا ، كما إننا نعيش حالة توقف جوهري وجمود حضاري وكأننا عقليا لا زلنا هناك قبل ١٤٠٠ عام ..


وأتصور إن الفصل بين احترام العقائد والممارسات واحترام الأفراد مؤشر حضاري راقٍ ومطلوب ، فقد أعتبر واحدة من ممارساتك ممارسة غير محترمة بالنسبة لي ، وتعكس مظهراً من مظاهر الجهل والتخلف ، لكنني أحترمك بصفتك شخصاً بعيدا عنها من خلال تعاملك الشخصي معي ومع الآخرين ..
كذلك أحترم حقك الشخصي والإنساني في اختيار الجهل والتخلف في ممارساتك بناء على دوافع مختلفة ؛ قد لا تجعلك تراها كذلك كما هو حاصل مع طائفة الآمش على سبيل المثال ..

فطالما إن ممارساتك مسالمة ولا تعتدي فيها على أحد أو تفرض احترامها على سواك ، فهي حق من حقوقك ويجب احترام ذلك الحق وإن لم تكن الممارسة ذاتها تستحق الاحترام !

إنطلاقا من تلك الفكرة أود أن ألخص بعض النقاط التالية :


* الأديان والمذاهب والشخصيات التاريخية والرموز الدينية والطقوس والممارسات .. إلخ ، قد تكون محترمة وقد لا تكون كذلك ، ولا ينبغي فرض احترامها على جميع الناس ، كما لا ينبغي منع احترامها !


* حق الاعتقاد أو الممارسة أو الاختيار وما شابه من حقوق فردية إنسانية أساسية ، ذلك الذي ينبغي احترامه ودعمه وليس المعتقد نفسه أو الممارسة ذاتها أو الاختيار عينه ..



* كما من حقك أن تقبل هذا الموروث الشعائري أو الطقس أو المعتقد وتعبر عن قبولك إما بالممارسة أو التصريح ، فمن حق غيرك أن يرفض ذلك الموروث أو المعتقد ويعبر عن رفضه ورأيه بهذه الممارسة أو تلك الناتجة عنه ، دون أن يجبر أحدكما الآخر أو يمنعه !


* أيا كانت مواقفنا من هذه الشعائر والممارسات والمعتقدات والطقوس أو تلك ، فلا يعطي ذلك الحق لأحد بالحقد والكراهية والتحريض ضد أصحابها أو تبرير الاعتداء عليهم وقتلهم أو تفجيرهم !
كما لا يحق لأحد التحريض ضد من يرفضها وينتقدها ولا يحترمها ، ولا يبرر إيذاءهم أو احتقارهم وإخراسهم ..


* من حقي أن أختلف معك في فكرك ودينك وأسلوب إحياء شعائرك وفي طريقة تعبدك أو تحررك ..
لكن من واجبي أن أعطيك الأمان وأقف مع حقك في اختيار معتقداتك وممارساتك المسالمة بكل حرية !


* بالنهاية نحن لسنا بحاجة لقوانين تجرّم ازدراء الأديان وطقوسها وشعائرها أو الأعراف وتقاليدها ، نحن بحاجة لقانون يجرّم ازدراء الإنسان ولو كان على حساب ذلك !
فالإنسان هو القيمة العليا التي يجب حمايتها ..

الجمعة، 20 مايو 2016

الشر المقدس !

في الحديث عن الخير والشر تتشعب الأفكار وتختلف طرق وزوايا ورؤى التناول والطرح  ، ولكن بما إن الخير والشر مفهومان بشريان ، فإني أعتبر مستوى الازدهار البشري هو معيارهما الأنسب والأكثر وضوحا وواقعية ..

 في حديث كثير منا عن الخير والشر يطرحانهما على إنهما مسألتان غامضتان لا يمكن توضيحهما ، لكن بتصوري ذلك ليس دقيقا !
بمعنى آخر ؛ نعم هناك جدل وخلاف لكن ليس بسبب عدم وضوح الخير والشر بذلك المستوى المطروح ، بل بسبب تأثير المعتقدات المقدسة على تقييم الأمور الواضحة والحقائق الواقعية ..

فمثلا لن يختلف أحد على إن العدل خير والظلم شر ، بل يمكن اعتبار ذلك حقيقة على مستوى الازدهار البشري في العالم المعاصر ..

ومع ذلك نجد من يسعى بالظلم محققا نموذجا شريا بامتياز وهو مرتاح البال والضمير !

وحتى نعرف السبب يمكن معادلة الخير والشر بالعلم والجهل ، فكلما زاد العلم وانخفض الجهل زاد معه الخير وانخفض الشر ، فالجهل هو السبب الرئيس الذي يجعلنا نقبل ما يناقض الخير في التجارب البشرية الواعية التي أنتجت العلم ورفعت مستوى العدالة والازدهار البشري وتنمية الإنسان المسالم بمختلف أعراقه وأجناسه ومظاهره وميولاته .. 

وبالرغم من وجود نسبة عالية من حملة الشهادات العلمية الأكاديمية بمختلف المجالات والتخصصات ، فإن كثيرا منهم لا يجد شرا في ظلم إنسان مسالم بناء على مظهره المختلف أو عقيدته ، بل قد يؤيد قتله لأنه بدّل دينه أو اختلف بميوله الجنسي أو عبر عن رأي يتصادم مع السائد ..

 لأن عقائدنا المقدسة تابعة للجهل وليس للعلم ، فنحن رغم شهاداتنا الأكاديمية العلمية المنتشرة بين أفراد المجتمع ، نجدها لا تساوي شيئا مقابل قداسة عقائدنا الموروثة من العصور الرجعية والمبنية على الجهل المقدس بلا علم ولا حقيقة ولا برهان ، وتقديس تلك العقائد كفيل بإفساد التفكير وإفساد المنطق وإفساد التحصيل العلمي وتمييع الفرق الواقعي والواضح بين الخير والشر ..

ليس عجيبا أن تجد أفكار منظمة شريرة كداعش أشد تأثيرا على ازدهارنا البشري من خير جامعاتنا وشهاداتها العليا ، أو أن تجد صاحب شهادة عليا في أحد التخصصات العلمية ودكتورا محاضرا في واحدة من أفضل الجامعات المحلية ، لكن عقله وعلمه مصادر تماما لصالح معتقداته الموروثة والوحشية والشريرة المبنية على الجهل المقدس ، ومع ذلك يعتبرها خيرا وعدالة بتناقض صريح وفاضح مع حقائق العصر ومعاييره ومعطياته وتجاربه الواعية التراكمية !


الشر منتشر في المجتمعات التي اتبعت تقديس الجهل والظلم بمعتقداتها وثقافتها وأفكارها وقيّمها ، والخير منتشر بالمجتمعات التي اتبعت العلم والعدالة بمعتقداتها وثقافتها وأفكارها وقيّمها التي أبقتها محل مراجعة مستمرة ..

الجهل اليوم هو الشر الأكبر ، والعلم هو الخير الذي ينبغي علينا اتباعه وجعله معيارا للمعتقدات والأخلاقيات والأفكار والقيّم ..

بالعلم نعرف أن التلوث شر وأن المرض شر وأن الظلم شر وأن الاعتداء شر ، وبالجهل المقدس يمكننا تمييع كل ذلك وخربطته وتشتيته في سبيل التحايل على الوقائع !


السبت، 26 مارس 2016

العمامة الذكية


لعل الدين كان في يوم ما يعالج توليفة من العلوم الإنسانية والفلسفية والطبيعية ، وكان النضج العلمي والتأصيل الفكري في المجتمعات يعتمد على رجال الدين ، ولكن مع تقدم المعارف والعلوم أصبح البشر في المجتمعات المتحضرة المعاصرة يعلمون أن الدين ليس مسألة علمية ولا مصدراً للأفكار والتقدم المعرفي والعلمي ، كما إنه غير مناسب لتسيير أمور البشر المعاصرين ..

ورجل الدين هناك مجرد واعظ لا يرقى إلى تسميته بالعالِم كما في بقية المجتمعات المتخلفة ، التي لا تزال تنظر إلى رجال الدين على أنهم علماء ينطلقون من تأصيل فكري عميق وقاعدة علمية متخصصة متينة وموضوعية !

ونتيجة الجانب المتخلف في عقلياتنا فقد عظّمنا الأمور المعقدة وغير المفهومة بالنسبة لنا ظنا منا أن ذلك هو معيار عمق المواضيع وأهميتها ، أوهمنا رجال الدين أن الدين مسألة معقدة وعميقة جداً لم يتمكن أحد من فهمها إلا رجال الدين وحدهم ، مما سمح لهم بالهيمنة على مجتمعاتنا إلى حد الاستغلال في الكثير من الحالات ..

فالإسلام كمثال ، لم يأت سوى بكتاب واحد فقط !
كان واضحا وسهلا ومفهوما لأبناء ذلك العصر ، ونقرأ كيف أقنع بكلماته الفقير قبل الغني والفلاح قبل التاجر والبسيط قبل أكابر القوم ، والصغير والكبير رجلا كان أو امرأة !

لكننا نجد اليوم كيف أن رجال الدين طوروا الآلاف من الكتب والمؤلفات والمجلدات التي امتلأت بالتعقيد والتناقضات وإفساد المنطق حتى اختلطت إرادة كل مؤلف وأمنياته الشخصية مع طبيعة الدين وكتابه الوحيد !


ولكن مع انفتاحنا على القفزة الهائلة التي حصلت في العلوم الإنسانية وغيرها ، في مقابل الجمود الديني وتخلفه ، تولدت فجوة عميقة بين الخطاب الديني وبقية العلوم والمعارف وتحولت إلى أزمة حقيقية لم يستوعبها رجال الدين على ما يبدو !

أولئك الذين يتعاملون مع المجتمع بالطريقة ذاتها قبل مئات السنين ، كما لا يزالون يعيشون الفلسفة والعلوم من عهد أفلاطون وأرسطو وابن سينا ، أو من خلال بعض الانتقاءات المنحازة والمنقوصة من دراسة علمية حديثة هنا أو هناك في أحسن أحوالهم !

وبطبيعة الحال لا أحد يريد إقصاء رجال الدين من مجتمعاتهم ، تماما كما هو غير مقبول أن يقصوا أحدا بالمقابل !
لكنهم صدقا بحاجة إلى تحديث عاجل وضروري يعطيهم مكانتهم وحجمهم الحقيقي ؛ كفئة يمكن الاعتماد عليها بدلا من بقائها كعائق في عملية بناء مجتمع متحضر ومتقدم قادر على خدمة البشرية بالإبداعات والإنجازات والعطاءات ..

هم بحاجة إلى عمامات ذكية تسمح لهم بالتصالح والتكامل مع العصر ، وتفهمهم أن استيعاب البسيط العميق أولى من المعقد السطحي والمنحرف عن الهدف ، بحيث أن الدين والتدين ليسا بذلك التعقيد الذي يطرحونه بالمؤلفات والحلقات والأفكار والمعتقدات والواجبات ، فهو حاجة نفسية خاصة يعيشها الفرد بينه وبين علاقته مع الكون والغيب ، والهدف منه خدمة حياة الناس وتيسيرها بشكل يتواءم مع زمانها بلا مقدسات عائقة ولا ثوابت رجعية تشكل عبئا وثقلا ..
والأهم أنه لا يمكن لأحد منهم أن يأخذ دور الإله في هذه العلاقة الخاصة ، وأن لا مقدسات في العلاقة مع الغيب !

وليس عيب أن تتعلم تلك العمامة الذكية من التجربة الدينية التي عاشها الآخر المتحضر ، حيث يقدر اليوم في أوروبا -كمثال- وفقا لبعض الإحصاءات ، أن ٨٪ فقط يعيشون حالة من الالتزام بالذهاب إلى الكنيسة لغرض التعبد ، التي أغلقت مثيلاتها ، فيما تم تحويل بعضها إلى متاحف أو صالات عرض يمكن الاستفادة منها في مجالات أخرى !

وذلك يعكس حجم المكانة الدينية المعاصرة ، بالنسبة لمجتمعات كانت في أقصى حالات التدين تاريخيا !

العمامة الذكية ستقرأ المستقبل وتعرف أن التجربة البشرية المتحضرة والأكثر تقدما هي ذاتها ، وإننا نسير من حيث ساروا ..
وعليها تقديم خطابا دينيا معاصرا يتبنى منهج المحبة والسلام والتسامح إلى أقصى حد ، بعيدا عن الاستغراق بالتاريخ وحقبات الماضي ، وبعيدا عن خطاب الترهيب والتعقيد والعنف والكراهية وامتلاك الحقيقة !

الثلاثاء، 26 يناير 2016

هندرة فكرية وثقافية


"الهندرة" مصطلح عربي جديد في عالم الإدارة الحديثة مشتق من هندسة وإدارة ، يرادف أصل المفهوم الإنجليزي (Business Reengineering) ويفسر بأنه إعادة هندسة العمليات الإدارية ..
وتعني الهندرة البدء من نقطة الصفر ، وليس إصلاح وترميم الوضع القائم ولا إجراء تغييرات تجميلية أو تحسينية مع ترك البنية الأساسية ، كما لا تعني ترقيع ثقوب المنظمة أملا بنتائج أفضل !
الهندرة تعني التخلي عن إجراءات العمل القديمة وإعادة التفكير بصورة أساسية وإعادة التصميم الجذري للعمليات الرئيسة ..

وأجد من المناسب استعارة هذا المصطلح الذي يحمل مفهوما ضروريا في مجتمعنا للتعاطي مع منظومتنا الفكرية والثقافية والأخلاقية ، إذ لم يعد مناسبا بتصوري الدعوة إلى التغيير والإصلاح مالم يكن بصورة جذرية يشمل كل الأسس التي بنينا عليها مجتمعاتنا فكرا وثقافة وخُلقا ، لأنها تشكل علة أساسية كبرى في وجه أي تغيير فعلي نحو الأمام ، وغالبا ما يتم الدفاع عن تلك العلة تحت عنوان "خصوصيتنا" أو "هويتنا" ..

ولكن ما لا يستوعبه بعضنا إلى الآن إن تلك الخصوصية أو الهوية التي يدافعون عنها ، ويشترطون تناسب التجارب الحضارية معها ، حتى يقبلوا بتلك التجارب ، هي  من أهم أسباب تخلفنا وعوائق تقدمنا !
نعم هناك مجتمعات لا تتعارض خصوصيتها مع التقدم والتحضر ، لكننا للأسف لسنا منهم !
فالتخلف والجهل من أساسيات منظومتنا الفكرية والثقافية والأخلاقية ، وهما عناصر رئيسة وبنية عقلية وجذرية في صميم وتركيب خصوصيتنا وهويتنا الاجتماعية والثقافية ..
ولا ينبغي لنا الإعلاء من شأنها أو الاستماتة في الدفاع عنها وتكريسها وكأننا عبيد تلك المنظومة أو الخصوصية المعيقة كعائق جذري وأساسي ..
بل علينا مراجعتها والتحرر من كل قيودها والتخلي عن مساوئها وعدم تقديسها أو تبريرها والسعي الفاشل والمجهد في تلميعها ..

لنسأل أنفسنا بكل وضوح وصدق وشفافية : لماذا نتمسك بهذه الفكرة أو المبادئ و ندافع عن تلك الثقافة أو العادات ونسعى لتكريس هذه الهوية والخصوصية !؟ هل ما نظن أنه حقيقة أساسية أو مقدسة هو فعلا كذلك !؟ وما هي الآثار الواقعية التي نجنينها من ذلك كله !؟ هل هي مفيدة حقا كما ندعي أو هل تشكل قيمة أو إضافة في سبيل تحقيق أهدافنا وإثبات ادعاءاتنا !؟
وإذا كان هناك من أجاب بنعم ؛ فليتابع السؤال : هل ما نملكه ونتمسك به وندافع عنه من قيّم وأفكار وهوية وخصوصيات ينتج لنا النموذج الأفضل واقعيا !؟

قد تبدو أسئلتنا أعلاه بسيطة وسهلة ، لكنها مهمة حتى نتمكن من الانطلاق نحو الأمام بدلا من الرجوع إلى الخلف أو مراوحة المكان بأفضل الحالات ..

 نحن بحاجة إلى هندرة عقولنا وثقافتنا ومنظوماتنا الفكرية والأخلاقية ، وذلك يتطلب صدقا عالياً مع الذات ، بحثا عن تغيير جذري وأساليب بناء جديدة وبعيدة عن جذورنا البالية و أساسياتنا المهترئة والمعيقة !