لا يخفى على أحد التوجه العالمي للتعامل مع المثلية بشكل واضح ، بعيدا عن الصمت أو التجاهل أو التمييز والكراهية ، يمكن ملاحظة ذلك بتعديل القوانين بعدة دول حول العالم لتتلاءم مع غير المغايرين ، بالإضافة لطرحها كجانب أساس في المسلسلات والأفلام والإعلام العالمي ، ناهيك عن مناقشتها وبحثها أكاديميا وعلميا وطبيا من عدة جوانب ..
أعتقد أن المثلية قضية إنسانية بالدرجة الأولى ولا شك في ذلك ، لكن المشكلة تكمن في بعض الجهات أو الأطراف التي تعتاش على تسييس القضايا الإنسانية والمتاجرة والتلاعب بها لأهداف أبعد ما تكون عن الحقوق والإنسانية ..
فعلى سبيل المثال ، نجح الحزب الديموقراطي الأمريكي إلى حد كبير بتسييس المثلية من خلال خلق صورة عالمية مفادها أن المثلية قضية حزبية في أمريكا ، وان الديمقراطيين وحدهم من يهتمون بها ويساندونها ، لكن ذلك بالتأكيد غير صحيح فالحزب الجمهوري رغم شعبيته الأكبر بين المحافظين والمتطرفين المسيحيين إلا إنه مليء بالشخصيات السياسية المثلية ، حتى تشريع زواج المثليين فيدراليا في عهد أوباما كان تشريعا من المحكمة العليا في أمريكا وليس من الرئيس أوباما ، والصوت الغالب الذي حسم زواج المثليين حينها بين القضاة في المحكمة بعد تعادلهم كان للقاضي الجمهوري المحافظ المخضرم والمعين من قبل الجمهوريين أنطوني كينيدي ، كما إن الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب اعتبر دعمه للمثليين ومزدوجي الميول ومغايري النوع الاجتماعي جزءا من عمله الرئاسي ، ووعدهم بالحماية من الأيديولجيات التي تبرر العنف ضدهم ، وحتى في تغريداته عبر مرارا عن دعمه ومساندته لهم ، وكذلك ابنته إيڤانكا ترامب وبقية عائلته التي عبرت عن علاقاتها وصداقاتها مع المثليين ودعم قضاياهم ..
المثلية كتوجه جنسي أو الهويات الجندرية ليست أحزابا أو حركات سياسية ، ولا ورقة ضغط حزبية أو اجتماعية بين الخصوم سواء من خلال دعمها أو محاربتها ، وإن أسوأ ما قد تتعرض له القضايا الإنسانية هو التسييس ، حيث يتم استخدامها للمناكفات السياسية أو تصفية الحسابات الدولية أو استغلالها من قبل الحركات المعارضة لصنع انتصارات حقوقية زائفة أو معايرة ومزايدات دينية ضد حكوماتهم أو أوطانهم بينما هم أكثر استبدادية واقصاء لخصومهم ..
لا أنسى كيف وصفت قناة متلونة مثل الجزيرة القطرية المثلية بقنواتها العربية بالشذوذ الجنسي المخالف للطبيعة وفقا لدراسات حسب زعمها ، لكن الجزيرة بالإنجليزية كانت تندد بمحاربة المثلية الجنسية ، وتكملها الجزيرة بلس بالإنجليزي لتؤكد أن المثلية الجنسية جزءا من الطبيعة ويجب حمايتها من الجهل والتخلف !
وكذلك الوضع مع تركيا التي تتعامل مع المثلية كورقة سياسية تحصد من ورائها بعض المكتسبات السياسية سواء بصورتها العالمية أو بمحاولاتها للانضمام ألى الاتحاد الأوروبي ، بعيدا عن واقع المثليين الأتراك إنسانيا وحقوقيا ..
في الوقت الذي أتمنى فيه لمجتمعاتنا التخلص من التمييز والكراهية والتحريض تجاه المسالمين من المثليين، وأن نعتز بالتنوع الإنساني وباختلافاتنا السلمية ونرتقي بالمساواة في قيمتنا الإنسانية بكل احترام وسلام ، فإنني أرفض بشدة المتاجرة السياسية بالقضايا الإنسانية بما فيها المثلية ، وأُحذر من محاولات تسييسها بعناوين الحقوق ، لأن ما نحتاجه فعلا هو الوعي الاجتماعي الداخلي بأوضاعهم ومعاناتهم النفسية والاجتماعية ، وبحكم إننا مجتمعات متدينة أدعو إلى مراجعة ومعالجة دينية عصرية من قبل رجال الدين تفصل بين المثلية والعبور الجنسي وبين اللواط المحرم شرعا أو التشبه بالجنس الآخر وعدم ربطهم بإرث قوم لوط الديني والتاريخي بما يتوافق مع الوعي الحقوقي والطبي المعاصر ، وعدم تكريس نظرية التعارض أو التصادم بين الدين والمثلية ، وذلك يجب أن يبقى بعيدا عن التسييس وأطماع المنظمات والحركات السياسية المشبوهة أو الخارجية التي تنحاز لعصبياتها وحساباتها أو انتصاراتها السياسية دون مراعاة أمن الأوطان وسلامة الإنسان وازدهار المجتمعات ..
يا عزيز. ليه حذفت تعليقي. يالتكسؤال وهذا واقع
ردحذف