الاثنين، 25 أغسطس 2014

الصنمية بصورتها الحداثية

لا يخفى على مراقب ما تشهده الساحة من حراك فكري ضخم لم يستثنَ منه شيء ، لا سيما الفكر الديني ، نظرا لما يمتلكه الدين من مكانة سلطوية وسيادية على مستوى المجتمع والأفراد..
في ظل ذلك لا سيما في الوسط الشيعي ، نجد مشكلة تصنيم المرجع وتقديسه ، بحيث يعتبر الممثل الحق لإرادة الله في الأرض ، حتى أصبحنا نعبد المرجع - بمعنى الطاعة والخضوع لأوامره - بلا نقاش أو تفكير، بحجة إنه المختص في تمثيل إرادة الله سبحانه ، ليقربنا إلى الله زلفى !
بناءً عليه فالمراجع العظام خارج نطاق المساءلة أو النقد ، وذلك لو حدث فهو جرأة من العامة لا تغتفر ، بينما هناك من يتساءل ، ما الفرق إذن بين ما نعيشه اليوم من تصنيم وتقديس للمرجع ، وما كان من تعامل مع المعبد وكهنته؟! الحجج نفسها والإسطوانة الفارغة تتكرر لمواجهة أي انتقاد، من أنت؟! ومن تكون؟! ناهيك عن شخصنة أي نقد أو رأي ، ومحاولة تصوير المختلف المعبر عن رأيه ؛ كمفرغ لعقده الإجتماعية أو الدينية ”المتخيلة“ من خلال رأيه ، وتصويره على أنه الناقم أو المنتقم !
مما يعكس خلل المجتمع من خلال خياله الواسع والمريض في تعامله مع النقد أو التعبير عن الآراء والإختلاف . بالإضافة لغيرها من المقارنات المستهلكة مع الاختصاصات العلمية الحديثة من طب وهندسة ... إلخ، ومع كل تخصص منهجي يمكن التحقق منه ومن نتائجه ، بمقارنة ساذجة لا تخلو من الفارق والاستغفال الذي ما عاد ينطوي على جميع العقول..
والنتيجة اليوم أصنام بنسخة عصرية، لا تختلف من حيث قداستها والتعامل معها وترتيب الأثر مع سابقاتها عن الأصنام ، فهي مقدسة ومنزهة عن كل عيب أو خلل ، أي ناقد لها فهو بحكم المتطاول والمتعدي والمارق على الدين وأهله ، فالراد عليهم كالراد على الله !
حتى وصل الحال إلى أن نجد مراجع لا تحمل أي مشروع ثقافي أو فكري أو حتى ديني ، ولا حتى تدعيه ، ومع ذلك ؛ فعامة الناس تنسب إليهم ما يمكن نسبه من هنا أو هناك من فكر وحنكة وحكمة ونظر ثاقب !
اللافت أن في أي نقاش أو تبادل للآراء حولذلك ، نجد من يدعي الحياد ليتساءل : لماذا الحديث حول ذلك ؟!
والسؤال الأولى ؛ لماذا لا يكون هناك حديث حول هذا الوضع من التقديس والتصنيم ؟! والسماح للآراء بالطرح طالما أنها لا تعتدي على الأشخاص أو تقلل من احترام إنسانيتهم، وإبداء الرأي هو حول آلية محددة بالتعاطي مع هذه الفئة الإنسانية ، وما لها من أثر على المجتمع وأفراده تصل لحد التيارات والتحزبات وبصورة حروب اجتماعية في بعض الحالات ، وقد شهدناها وعايشناها ولا نحتاج لتخيلها !
هناك من لا يشعر أو يرى وجود لأي مشكلة ، ويعجبه الوضع القائم ويرتضيه ، وهذا من أبسط حقوقه ، ولكن هناك أيضا من يشعر بوجود مشكلة وخلل في هذا الوضع ، ومن حقه أيضا أن يشير لما يراه ويعبر عنه ..
ولنا في قصة النبي إبراهيم الكثير من الإلهام ، حيث إنه رفض كل أشكال التقليد الاجتماعي في الطقوس والتعبد والتصنيم ، ولجأ للتفكر والتأمل ، ولم يراعِ مقدسات مجتمعه أو قومه حين أراد أن يوصل لهم فكرته ، بحيث حطم أصنامهم المقدسة وترك كبيرهم متهمه بالتحطيم ليدعوهم للتفكير، بشكل لا يخلو من السخرية بآلية التصنيم ومعتقداتهم ..
ومع ذلك كان رد قومه مشابه تماما من حيث المبدأ والمضمون لردود حراس الصنمية الحداثية في هذا اليوم ، فالدعوة لحرق كل ناقد بشكل معنوي واجتماعي موجودة ، والتحجيم والاستصغار حاضر ، والتهم بالتعدي وعدم احترام مقدسات ورموز المجتمع هي ذاتها ..
شخصيا مع احترام كل إنسان ، وذلك يشمل شخص المرجع ولزوم تقديره ، وعدم تجاوز حدود الأدب في نقده أو مراجعة مواقفه، كما أن نقد الآلية المرجعية أو رفضها لا يشمل نقد ورفض شخصي لكل مرجع ، فهناك منهم قامات تستحق كل التقدير والإشادة ، وبالمقابل هناك منهم من أخذ مكانة لا يستحقها ، لكن الاحترام والتقدير للشخصيات العظيمة شيء ، والتعامل معها كممثلة لإرادة الله وما يتبعه من تصنيم وتقديس شيء آخر !
فبتصوري إننا نعيش زمن الصنمية من جديد ، ولكن بنسخة حداثية ومدروسة ، يدعمها الكثير من المؤلفات والمجلدات ، يقوم عليها حراس أشاوس فكريا واجتماعيا، يوظفون كل ما يمتلكونه من نفوذ في سبيل حراسة هذه الصنمية وتكريسها ، ومحاربة كل من ينقدها أو يرفضها ، وكل ذلك بعنوان حماية دين الله في الأرض ، فالراد عليهم كالراد على الله ! ولا بد من طاعتهم للتقرب إلى الله زلفى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق