الاثنين، 25 أغسطس 2014

مجتمعنا المريض !

كثيرا ما يلجأ مجتمعنا الشيعي الإثني عشري في المنطقة الشرقية إلى الحديث عن الاستبداد السياسي، ويتشكى من مظاهر مصادرة الحريات الدينية والعقائدية لهذا المجتمع ، والتمييز ضده من بعض فئات المجتمع الأكبر، ولن يكون آخرها موجة الغضب التي رافقت توجهات الحكومة بتعيين أول وزير إسماعيلي محسوب على الطائفة الشيعية محمد أبو ساق، أو قبلها مع المركز الحيوي الذي حصلت عليه الدكتورة الشيعية الإثني عشرية لمياء الإبراهيم ..
ومع ذلك فهو لا يخجل من نقد كل تلك الممارسات الإقصائية مع التنظير بالحقوق والحريات ، في الوقت الذي يمارس فيه الإقصاء ومصادرة الحقوق في الداخل ،
فهناك مشكلة حقيقية في هذا المجتمع ، حيث إنه متناقض بين تشدقه بحق الاختلاف وحرية المعتقد والتعبير عنه ، ومصادرته لذلك من أفراده !
ونتيجة لذلك أتصور أن مجتمعنا يفقد الثقة في نفسه ، ويعيش عقدة الاضطهاد والأقلية بشكل مرضي ، مما حوّله لمجتمع ينهى عن الاستبداد ويأتي بمثله ، فهو يصادر حق التفكير وحرية الاختيار والتعبير من أبنائه تارة بدافع المحبة ، التي قد تكون مرضية أو مثالا للظاهرة الاجتماعية "أطلس" والمعروف إنها تؤذي الآخرين وتسلب حرية إرادتهم أو تفكيرهم ، دون أن يشعر صاحبها بذلك ، ظنا منه أنه يصلح أفكار وممارسات الآخرين من باب الخوف والحرص ..
وتارة بشكل حاقد يدفعه لتعمد إلحاق الضرر النفسي والمعنوي ، وأحيانا الجسدي إن استدعى الأمر !
مما جعله يغرق في مغالطات كارثية ، فإن اختلفت معه في اعتقاد ديني ما ، يفترض أنه عليك الصمت تجاه مشاكل المجتمع الدينية طالما أنك لا تتشارك معه في هذا الاعتقاد ، دون الانتباه إلى أن الانتماء الاجتماعي وحده كفيل بالتعليق والنقد على هذه الظواهر الدينية ، التي تلحق الضرر بكل منتمٍ يعيش في هذا المجتمع ، سواء اعتقد بهذه المعتقدات ، أو قرر التخلي عنها ، حيث إن كل فرد بأفكاره ومعتقداته هو جزء ومكون لهذا المجتمع الذي يعيش في وسطه ، ولا يمكن أن يكون حرا دون أن يثق في عقله وذاته وامكانيته، وإن أخطأ ! 
فهذا لا يعطي المبرر للتعدي على حريته واستقلاليته الفردية ، وما توظيف الدين والموروث الاجتماعي العام في التغييب القسري لخيارات الأفراد وفرض نمط فكري وعقائدي وسلوكي أوحد عليهم ، وتكريس ذلك ، لتمكين فئات معينة - عادة يمثلها رجال الدين - من السيطرة على المجتمع وتوجيهه كما تريد ، إلا شكل من أشكال التخلف الاجتماعي القروي الذي يتنافى مع الأسس المدنية التي تكفل للفرد استقلاليته وحريته بالاختيار والتعبير !
فلا يمكن لمجتمع مثل مجتمعنا أن ينعم بالحرية والاستقرار وحق الاختلاف الديني أو الفكري عن المجتمع السعودي الأكبر ، طالما إنه يمارس أشد أنواع الاستبداد ومصادرة حق الاختلاف والتعبير  من أفراده وجماعته ، ويفرض على الفرد عقائد وسلوكيات معينة ، وإلا فهو لا ينتمي لهم ولا يحق له النقد أو التعبير ويجب عدم الاعتراف به أو نبذه ونفيه لمكان ما ، تماما كما يطالب بعض الجهلة بالطرف الأكبر، بطرد الشيعة من المملكة وعدم الاعتراف بهم ونبذهم الى إيران أو أي مكان طالما إنهم مختلفون عنهم !
مجتمعي العزيز، حاول التخلص من القيود والضوابط والموانع التي تحد من الحيوية الفردية ، تحت أي عنوان كانت ، لأنها كفيلة بشل المجتمع ككل ، وحبسه في حالة من الانغلاق السلبي والتقوقع المدمر ، وتذكر أن تعدد الأفكار والمعتقدات والذهنيات وأشكال السلوك في المجتمع حالة صحية تعكس وعيا اجتماعيا وليس عارا أو انفلاتا !
وإن دعم حق الاختلاف وحرية التعبير والاختيار، لا يتطلب اتفاقا بالرأي والتوجهات .. اسمح لأفرادك أن يثقوا بأنفسهم ، وأن يعيشوا تجربتهم الفكرية والتعبيرية بعيوبها وأخطائها ، وحسناتها وصوابيتها ، فـزمن الوصاية قد ولى إلى غير رجعة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق