الاثنين، 16 نوفمبر 2015

الغيرة من فرنسا !

جميعنا لاحظ حجم التعاطف العالمي مع فرنسا في الأحداث الأخيرة مقارنة بالعرب !

في تصوري إن التعاطف الكبير مع الفرنسيين والتهافت على رفع العلم الفرنسي آتٍ من كون فرنسا جزءاً من العالم المتقدم الذي يساهم في تنمية الحضارة البشرية المعاصرة ..

التعاطف مع العرب أقل -رغم الإدانات- لأنهم يمارسون حالة غرور غير مبرر على الآخر ويتوهمون تفوقهم عليه إلى حد التجبر والتكبر !
وإلى حد الدعاء على المنابر بشكل شبه يومي ضد اليهود والنصارى وكل مختلف معهم بالهلاك ، والتضرع بالتمكن منهم والنصرة عليهم .. إلخ
وإلى حد معايرتهم بالشوكة التي في عيونهم رغم اعترافهم بها وسعيهم لنزعها ، في حين ننكر الجذع الذي يفقع عيوننا ونرفض تنبيهنا إليه أو معالجة آثاره التي وزعتنا بين العور والعمى !

الواقع العربي جزء من العوائق العالمية للتقدم البشري ، حيث يعيشون حالة من التطرف و العنف والاقتتال فيما بينهم ، ولم يكتفوا بذلك بل عملوا على تصديره للخارج !

حين تحصل عملية إرهابية في العالم العربي ، فإنها بفعل عربي بين العرب ، وأحيانا سعودي بين السعوديين كالقديح والعنود وعسير والدالوة وسيهات ..

لكن ما حدث في فرنسا وليد فكر عربي ديني بالٍ ، يرهب عالمهم البعيد عنا ويهاجم الأبرياء هناك !!

نعم قد يقال لكن العالم المتحضر يستغلنا ويحيك المؤامرات ضدنا ويدعم داعش و .. إلخ
وقد يكون ؛ والاستغلال بجميع الأحوال مرفوض ولا يحق لهم ذلك ، وكذلك لا يبرر الإرهاب ضدهم !

كما إن ذلك الاستغلال هو مسؤوليتنا نحن وليس مسؤوليتهم !
نحن المسؤولون عن تحصين أنفسنا وشبابنا من الفكر المتطرف والبالي الذي تجند من خلاله داعش وغيرها كالقاعدة أو ما شابه !
نحن بثغراتنا وحماقاتنا وعدم تعلمنا من تجاربنا وعدم اعترافنا بكوارثنا يتم استغلالنا ، ونعيش الدور الواهم بالتفوق من جهة والضحية المغلوب على أمرها من جهة أخرى ؛ حسب الحالة وحسب الموقف وحسب المزاج !!

نحن من يجب علينا الإحساس بالمسؤولية تجاه عقولنا ومراجعة ثقافتنا وموروثنا ومقدساتنا حتى نتجاوز كل ذلك الجهل والتخلف والبؤس ، حينها سنتحول إلى شعب قوي حر يمكنه محاسبة كل من يحاول استغلاله ..

لذلك لا عجب من تعاطف العالم مع الفرنسيين كونهم شعبا محترما أكثر من العرب وأقل إيذاء منهم بالنسبة لبقية العالم ،  شعب اشتغل على نفسه  وسعى لتطويرها وتجاوز تاريخه المتخلف ، أكثر من الشعب العربي الذي لا زال يحلم بالفتوحات والغزوات والسعي لإقناع المجتمعات الأخرى بتعاليم مجتمع بائدة تراكمت عبر أكثر من ألف عام بزعم إنها إلهية !!

فإذا كان لابد من غيرة ؛ فلتكن غيرة إيجابية من تحضرهم تدفعنا نحو التقدم والازدهار ، عوضا عن هذه الغيرة السلبية والمطالبات الساذجة بتعاطف العالم معنا بقدر تعاطفه مع فرنسا !

الاثنين، 19 أكتوبر 2015

نحن لسنا بخير !


جميعنا يشعر بالقلق نتيجة الخطورة التي نعيشها لا سيما بعد الاعتداء على الدالوة مروراً بالقديح والعنود وعسير ومؤخراً في سيهات ، وما بينهم من مداهمات أمنية واعتقالات كان ثمنها أرواحاً طاهرة ودماء زكية ..

تلك الجرائم لم تكن دون إنذار مسبق ، حيث هددت داعش علنا على لسان زعيمها البغدادي باستهدافها للملكة ، وقد حددت ثلاثة مكونات : الطائفة الشيعية ورجال الأمن وكل من ينتمي لأسرة آل سعود الكريمة ..
وذلك التهديد قبل عاصفة الحزم وقبل الاتفاق النووي الإيراني ، وتنفيذهم بدأ بجريمة الدالوة التي كانت قبل ذلك أيضا ..

وكتبت خلال العام عدة مقالات متعلقة بذلك ، أولها :
الأحساء تطلق صفارة الإنذار

وحين أرانا نقف بالمكان نفسه ، أجد أن لا شيئ جديدا يمكنني إضافته على ذلك ، غير إني سأشير لعدة نقاط كمواطن بسيط يعيش هذا القلق :

*الحديث عن وقف التحريض مطلوب من جميع الأطراف بلا استثناء ، لكنه يوجه لمؤسسات الدولة بشكل رئيس لسبب بسيط ، وهو إن المؤسسات الدينية والتعليمية تتبنى النهج المتطرف ذاته الذي تتبناه داعش بعقائدها وفقهها ، فكر ابن تيمية وتلامذته على سبيل المثال ، باتفاق الجميع وحتى من يتبنى فكره فإنه غير مقدس ولا معصوم ، ومن ذلك الباب أقول فكره لم يعد يتناسب مع هذا العصر ..
نلاحظ المنتمون لداعش من كل أنحاء العالم يتبعون إرثه وتوجهاته ، نحن تبنينا ذلك الإرث بالمدارس والجامعات وكذلك بالمساجد والمنابر والهيئات الدينية التابعة بالداخل والخارج ، بينما دول أخرى كتونس مثلا ، رغم عدم تبنيها لفكر ابن تيمية بالمؤسسات التعليمة ، إلا أن الكثير من مساجدها وحلقاتها الدينية تبنت ذلك الفكر فأنتجت عن طريقها متطرفين جاهزين للإغراءات الداعشية ..
السؤال : لماذا نحكر الإرث الإسلامي بابن تيمية وتوجهاته وتلامذته !؟ إن الإرث الإسلامي واسع وغني ، فبدلا من إحياء تراث ابن تيمية يمكن إحياء تراث ابن رشد مثلا ، فهو أيضا عالم مسلم يتبع الله ورسوله ، وذلك يراعي رغبة المجتمع بعدم تخليه عن الدين بالوقت الذي يجعلنا نتبنى آلية دينية منفتحة ومتسامحة بعيدا عن الانغلاق والتطرف وفتاوى التكفير الكارثية والتحريضية ..


*المعالجة الجذرية والفكرية والثقافية رغم أهميتها وضرورة البدء بها فورا ، إلا إنها حصانة للمستقبل ولن نحصد ثمارها عاجلا ، فالخطر العاجل والحالي مواجهته أمنية بالدرجة الأولى ، لذلك أعتبر تكاتف المجتمع مع رجال الأمن واجباً وطنياً وإنسانيا وعلينا جميعا الالتزام به ..


*التلذذ بالاستشهاد لا يعكس فكراً إنسانيا بناءً ، فالشهادة قدر ونتيجة وليست هدفا أو غاية ، وتحويلها إلى غاية يهدم ولا يخدم ، من يستشهد من أبناء المجتمع هم من خيرة الشباب وأحسنهم ، وحياتهم أولى من شهادتهم ..
نعم تلك الشهادة كانت نتيجة لهدف أسمى مثل حماية الإنسان وحماية الوطن ، فذلك هو الهدف الذي نتج عنه الاستشهاد وليس العكس ..
فأرجو أن لا نحول الشهادة إلى حلم يراود شبابنا ، علينا أن نعلي من قيمة الحياة بمقابل الموت بكل أشكاله وعناوينه ..



*شخصيا لا أجد معنى لتعزيز الهوية المذهبية وتعميقها كرد فعل على الاستهداف الداعشي ، أنت ستصرخ هيهات منا الذلة ولبيك يا حسين والله لن تمحو ذكرنا وتذهب بصدر عار إلى الحسينية أو المسجد ، والداعشي سيصرخ لا للذل ولا للهوان ولله العزة ولرسوله والله أكبر ويفجرك بحزامه الناسف بالحسينية ذاتها أو المسجد عينه !
أنت ستعتبر نفسك شهيدا للحسين ونصرته بروحك ، والداعشي أيضا سيعتبر نفسه شهيدا للحق ونصرته بروحه !
بتصوري المطلوب في مواجهة خطر كهذا ليس تحديا عقائديا على حساب الإنسان وسلامته ، بل حكمة تحافظ على أكبر عدد ممكن من الأرواح البشرية وتعزز الإمكانات الوقائية والدفاعية لحماية حياة الإنسان ، وذلك لا يعني ذلة ولا يعني هزيمة للحسين (ع) !



* المناسبات الشيعية الدينية كثيرة وليست فقط في محرم ، شخصيا أتحفظ على كثير منها لا سيما المتعلقة بالحزن والعزاء ، لكن اختلافي أو تحفظي لا يعني عدم إيماني بحق ممارستها بأمان لمن يؤمن بها ، وللحصول على أمان أعلى في ظل هذا الاستهداف والتهديد أتصور أن تخفيف التجمعات وتوزيع أعدادها يساعد في عملية تأمينها وحمايتها ، فعوضا عن تكدس أهالي الدمام والخبر في مداخل سيهات والقطيف -لاسيما مؤخرا مع زيادة نقاط التفتيش- وتجمعهم في ساحاتها بالمواسم ، أجد من الأنسب أن تسمح الجهات المعنية لهم بإقامة مجالسهم الحسينية ومناسباتهم في أحيائهم بالدمام أو الخبر ، بحيث تقل الأعداد في سيهات وتتوزع في مناطق سكنها مما يسهل تأمينها وحمايتها داخل أماكن مغلقة دون الحاجة للساحات والطرقات ..



الخطر والتهديد حقيقي بحجم الوطن ، ومواجهته لا يكفيه مقال ولا رأي ولا جهود فردية ، هذا وقت التلاحم والتعالي على المذاهب والعنصريات والحزازيات ، والعمل على خطة استراتيجية جذرية دينية وفكرية وثقافية واجتماعية ..
فنحن لسنا بخير وهناك خلل ما علينا مواجهته وإصلاحه !

الأربعاء، 8 يوليو 2015

استبداد من نوع آخر !


ليس عجيبا أن يخرج غوغائيٌ من هنا أو هناك مدافعا عن التحريض ولا يفرق بين التطرف والتسامح إلا بمعيار الطائفية ..
لكن العجيب أن يكون ذلك ممن يحسب نفسه مثقفا كبيرا وتنويريا كاملا ومناضلا سياسيا بطلا !
ليمارس استبداده الثقافي حراسةً للجهل والتحريض والتطرف والغلو ومصادرة العقول ، معايراً هذا ومستنقصا ذاك ..

بتصوري بُلينا بقوم يحسبون مواقفهم السياسية المعارضة معيارا وشرطا للفكر والثقافة والتنوير ! بغض النظر عن حماقاتهم وتجاربهم الفاشلة ، فهم الحقيقة وهم المعيار ..
ينقدون الاستبداد السياسي وهم يمارسونه بمعارضتهم السياسية ، فإما تتبنى موقف المعارضة الذي يتبنونه ، أو إنك صبي صغير ناقص وأبله ، لا سيما آنك لم تطبق الرؤية "المقدسة" لادوارد سعيد بأن من وظائف المثقف إزعاج السلطات !

لا أدري كيف يعتبرون المطالبة بالحقوق و السعي نحو الازدهار لا يكون إلا بمعارضة سياسية يسارية لا تخلو من حماقة !؟

العمل متنوع وأشكال التأثير والمطالبة مختلفة ، وذلك من بدهيات الفهم اللازم لطبيعة سير الحياة ، والحسم في القضايا الجدلية لا يكون إلا من المتعنتين والمتنمرين فكريا ..

فإذا كان من حقك أن تعارض ، لمَ لا يحق لغيرك أن يؤيد !؟ وإذا كنت لا تقبل اعتبار المعارضة عمالة وخيانة للوطن ، فلمَ تعتبر التأييد نقيضا للحقوق والحريات ومرادفا للتطبيل والانبطاح !؟

الأوليات والرؤى تختلف وذلك طبعي ، هناك من يرى علتنا الكبرى بالاستبداد السياسي والحلول تبدأ من السياسي وكل مشاكلنا يتحمل مسؤوليتها السياسي !
وتلك رؤية ليست بالجديدة على مستوى العالم ، وقادها مثقفون بعالمنا العربي من القرن الماضي ، ونجحوا بإزالة أنظمة مستبدة طالما اعتبروها العلة الكبرى ، لكنهم فشلوا بمعالجة مشاكلهم كما كانوا يحلمون أو يتوهمون ، فرحل استبداد سياسي وجاء استبداد سياسي آخر ..

لأن أساس الاستبداد ليس بالسياسية ؛ أو هكذا يتبنى آخرون !
بل في عقولنا الفردية والاجتماعية المستبدة ، التي تنتظر الفرصة لتطلق العنان لاستبدادها وتسلطها وفوقيتها ..
الاستبداد الاجتماعي هو الذي يفرز لنا الاستبداد السياسي وليس العكس ..
نحن مجتمعات وعقليات مستبدة لا تفهم ولا تعي معنى العدالة ، والأعجب إننا شوّهنا العدالة وأصبحنا نمارس الاستبداد الاجتماعي باسم العدالة !

وبعدما اعتدنا على وجود حراس الدين والفضيلة والأخلاق ،  أفرزنا من خلال عقولنا المستبدة حراسا بنوعية جديدة لحراسة الثقافة والتنوير والحقوق بكل فوقية وعنجهية وغطرسة ، وكل واحد منهم مستبد على قده !

أولئك لا يمكن الوثوق بهم مهما تحدثوا باسم الحرية والحقوق والعدالة وأدانوا الاستبداد والتسلط والتعسف ، لأنهم ليس بأفضل حال !
بل قد يكونوا أسوأ ، فهم بلا سلطة حقيقية ومستبدون ، فكيف يصل بهم الأمر لو كانت كلمتهم آمرة وناهية !؟

أسهل ما يمكن القيام به أن نرمي مسؤولية تخلفنا وفسادنا واستبدادنا على السياسي ١٠٠٪ ، والتظاهر بأننا مجتمع فاضل وقويم لولا ذلك السياسي الذي أفسدنا !

لكن تلك الكذبة لن تغير من واقعنا شيئا يذكر ، سنبقى ننتج الاستبداد والفساد على جميع المستويات ، وسنبقى مجتمعات متخلفة وحمقاء وغير محصنة و يمكن لأي قوة سياسية واستكبارية استغلال حماقاتها وثغراتها لصالح مشاريعها و طغيانها ..

أعتقد أن مشكلتنا فكرية ثقافية اجتماعية قبل أن تكون سياسية ، وحين نكون مجتمعات تطبق العدالة والحرية على المستوى الفكري والاجتماعي والفردي ، ونتخلص من استبدادنا وتخلفنا تجاه الاختلاف والتنوع بكل مستوياته ، ونقدر الإنسان بعيدا عن مظهره وفكره وميوله وقناعاته و .. الخ ، سنكون مجتمعات حرة ومحصنة ضد أي استغلال أو استبداد ، وسيكون الإصلاح السياسي تحصيل حاصل !

الجمعة، 3 يوليو 2015

تنير لنا الطريق



رغم الرَّحيل والغياب، إلا أنّك باقٍ في دواخلنا، ولا زالت كلماتك ترنّ في عقولنا. وبعد أربعة أعوام، اكتشفت الكثير من خلالك، ولا زلت يوماً بعد يوم أكتشف المزيد.

لقد أشرت إلى الطّريق ـ وطريقك لم يكن كغيرك، طريق الإيمان المسبق الموروث أو الشخصي ـ وقد كان طريق العقل والتأمّل، كانت لك محطّات وصول في هذا الطّريق، رأيت أهميتها والتوقّف عندها، ومع ذلك، لم تلزم أحداً بمحطّاتك، بل كنت تدعو إلى عدم التوقّف في هذه المحطة أو تلك لمجرّد أنك توقفت بها، ما لم تكن وقفاتنا عن تعقل وقناعة. ولأننا مسؤولون أمام الله، أكَّدت لنا أن وحده العقل حجة الله علينا، لذلك كنت تقول: "عقل الآخرين ليس حجّة لك أمام الله، بل عقلك هو الحجّة الّتي يمكن أن تقدّمها بين يدي الله، ويمكن أن يطالبك الله بها، ولذلك أعطى الله المنهج في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، فالله تعالى لا يريد لك أن تبني فكرك على التقليد، فلا يكن فكرك فكر الاستهلاك، بل فكر الإنتاج وفكر الإبداع".

فكم كانت كلماتك تحمل في دلالاتها الكثير من العمق والتحفيز على إعمال العقل! لم تكن يوماً ممن يخاف من عقول الآخرين، ولم تؤسّس لكلّ من كان يسمعك أو يتأثر فيك، لعقدة الخوف من العقل، لأنك كنت تثق بأن العقل هو الطريق إلى الله، فلم تدعُ يوماً إلى تقديس الأشخاص وتعطيل العقول أمامهم، أيّا كانواً، وقد كنت تأنس بمشاركتك التفكير، بدلاً من تلقينك لفكرك دون مناقشة أو حوار، وكيف لا وقد كنت تردّد: "أيها الأحبة؛ أحبّ أن تفكّروا معي، لا أن تستمعوا إليّ فقط، لأني كما عوّدتكم، لا أستهلك الكلام معكم، أريد أن أفكّر وتفكّروا، لأني أريد لكم أن ترتفعوا إلى المستوى الّذي يريدنا الله أن نرتفع إليه من الوعي، رسالتي معكم هي رسالة الوعي".

نعم، نفتقد تلك الرّحابة اليوم، كنت عقلاً يتسع لجميع التساؤلات، وقلباً يتّسع لجميع أشكال الاختلاف، لم ترهب أحداً ردّاً على تساؤل، ولم تكفّر أو تضلّل أحداً كردّ فعل على الاختلاف، لم يكن هدفك إلزام الآخرين بفكرك، بقدر عملك على زرع الوعي الإنساني، وتحرير العقول، والتخلّص من كلّ ما يدعو إلى الجهل أو التخلّف، فكنت صاحب قوّة فكريّة وعقليّة ترقى عن النّزول إلى مستوى رفض المختلف أو إرهابه، ليبقى تساؤلك الواعي بلا إجابة لدى الكثير من مرضى اليوم، المصابين بعقدة الاختلاف، وكان تساؤلك: "إذا اعتبرت أنّك إنسان تفهم الواقع جيّداً، فلماذا تسبّ وتشتم وتعادي وتحقد وتدمّر الّذي يختلف معك؟!". وتضيف في موضع آخر: "إنّ الإنسان الّذي لا يسمح لنفسه بالانفتاح على الآخرين، هو إنسان ضعيف الحجّة في رحاب الفكرة". كنت تسعى لكسر هالة القداسة في الحوار، فعلّمتنا أن لا مقدّسات في الحوار، بقولك: "إنّ الله علَّمنا أن نحاور كلّ الناس، ولا توجد مقدّسات في الحوار، فقد حاور الله تعالى إبليس، فهل هناك من النّاس من هو مثل إبليس؟"، محذّراً بشكل دائم من مستنقع التعصّب الذي بطبيعته يصادر العقل ويعزّز الجهل: "المتعصب إنسان أعمى لا يفكّر فيما يلتزم به من موقع عقل وعلم". ومع ذلك، كنت تشير إلى الوقوع في الخطأ، وأنّ المشكلة ليست بالخطأ نفسه، بل بكيفيّة التعامل معه، من خلال تحذيرك الواعي: "لا تكن من الناس الذين يحاولون الدفاع عن أخطائهم، لتكن عندنا شجاعة الاعتراف بالخطأ عندما تخطئ، وشجاعة التواضع أمام الصّواب عندما نصيب".

سيّدي محمد حسين فضل الله، لا زال هناك من يهاجم العقول لمجرّد أنها فكّرت بشكل مختلف، ويرهب الأشخاص لمجرّد أنهم عبّروا عن اختلافهم، لا زلنا نقبع بجهل بعيد عن كلّ ما يحمله فكرك من وعي نحتاجه اليوم ونفتقده. لا يمكنني أن أقارنك بغيرك من رجال الدّين، لأنّ المقارنة ظالمة، فأنت حالة استثنائيّة خاصّة وفريدة، أنت إنسان أوسع من رجل دين، وفكر أكبر وأعمق من مرجعيّة فقهيّة، وشخصية حياتها بعمر الزمن، تعيش للمستقبل، وتحيا في أصالة التاريخ القادم.

استطعت الجمع بين العقلانية والمحبّة في التعاطي مع الكلّ، وأسَّست لثقافة الإنسانيّة في وسط لا زال يعيش بعيداً عنها، لم تسعَ لفرض أفكارك بالإكراه، بقدر العمل على التأسيس لآليّة فكريّة ذات منهجية عقلانية، كنت تعلم أنّ الإنسانية هي العقل، وأنَّ العقل هو الإنسانيّة، تنبّأت بهجمات التخلّف من خلال معرفتك العميقة بواقع مجتمعاتنا، وحذّرت منها بقولك: "إنّي أطلب من أبنائي وبناتي وأحبّائي من هذا الجيل الشّابّ، أن يتابعوا خطّ الوعي، وأن لا يسقطوا تحت تأثير هجمات التخلّف، فالوعي سوف ينتصر ولو بعد حين"، موضحاً في موقع آخر: "لا تستضعف نفسك؛ بل حاول أن تكون قوياً، فليس هناك إنسان ربّاً لإنسان"، مؤكّداً في الوقت ذاته أنه سيبقى هناك من يرفض التّفكير ولا يقبله: "بعضنا يخاف أن يفكّر، لأنه إذا فكّر، فقد يتبدّل كلّ كيانه الفكري، ويستوحش من كلّ تاريخ التخلّف الذي عاشه".

أيها السيّد الجليل، قد تأخذنا الأفكار إلى هنا أو هناك، ونمرّ بتحوّلات أو منعطفات فكريّة أو حتى إيمانيّة، لكنك تبقى الروح الحيّة في عقولنا ودواخلنا، تبقى آليّتك الفكريّة منارة تضيء لكلّ تائه أو باحث، تبقى كلماتك مصدراً للإلهام والشجاعة، للتجرّؤ على التفكير خارج الصّندوق، ستبقى أنت الفضل من الله الّذي لا يمكننا إلا الوفاء له والإخلاص لأثره الّذي لا زال ينير عقولنا ويطمئن نفوسنا.


*ملاحظة : المقال من الذكرى الرابعة لرحيل السيد ، أعيد نشره بمناسبة الذكرى الخامسة وليتم أرشفته بالمدونة ..

الاثنين، 29 يونيو 2015

دمشقيات رمضانية

سلسلة دمشقيات رمضانية من مجموعة الرأي الآخر ، تحت محور عادات الشعوب في شهر رمضان الكريم ..


دمشقيات رمضانية 1⃣

يطول الحديث عن العادات الرمضانية في سوريا ، وقد يصعب حصرها كون سوريا عدة مجتمعات في بلد واحد تعيش بعض الاختلافات فيما بينها ببعض العادات والتقاليد ..

لكني سأتحدث عن عادات مدينة دمشق تحديدا ، أو "الشام" كما يحلو لأهلها وبقية السوريين تسميتها ، وذلك لقربي منها وشعوري بالانتماء إليها ، فهي مدينة أمي وأهلي في سوريا الحبيبة ..

طبعا الجدير بالذكر ، إن رمضان الدمشقي حاليا تناقصت فيه كثير من العادات والتقاليد نتيجة الأزمة الدامية والمهلكة نفسيا وماديا هناك ، فاليوم رمضان يكاد يخلو من الزيارات نتيجة تدهور الوضع الأمني وخوف الناس من الخروج من بيوتها والتنقل بين المناطق والأحياء لا سيما ليلا ، وتكاد ينقطع تبادل أطباق الأطعمة بين البيوت والجيران ، ولم يعد التموين الغذائي للشهر كما كان سابقا ، نتيجة الغلاء الفاحش جدا في أسعار المأكولات من لحوم وألبان وأجبان وكل أنواع الأطعمة والمواد الغذائية ، وإلى اليوم لم تستقر الأوضاع وتثبت العادات الطارئة نتيجة الأزمة ..

لذلك حديثي عن رمضان قبل الأزمة بشكل أساسي ، التي لا زالت بعض الأسر والعوائل تحرص على تحقيق جميع العادات كشكل من أشكال التحدي والتعبير عن الرغبة بالحياة بشكل طبعي رغم الصعوبات والظروف ..

يتبع >>
________________


دمشقيات رمضانية 2⃣

يبدأ الاستعداد لرمضان قبل قدومه من خلال بعض العادات في شعبان ، أشهرها "تكريزة رمضان" وهي سيران عائلي يبدأ مع بداية اليوم في أحد أرياف دمشق الجميلة ، مثل الربوه أو عين الفيجة وبعضهم في يعفور ، المهم عادة أن تكون على ضفاف نهر ، قد يجتمع في "التكريزة" أيضا المعارف المقربين والأصدقاء ، هي أشبه بتوديع الفطر والاستعداد للصيام ، من خلال حفلة طعام مليئة بما لذ وطاب من سلطات ومقبلات ومشاوي وفواكه ، وعادة يتم إعداد الطعام بالكامل خلال الطلعة من قبل نساء العائلة ؛ وهناك من يساعدهم من الرجال الذين ينشغلون عادة بلعب الطاولة أو الشدّة (ورق اللعب) ..

قد يصطحبون معهم عودا أو طبلة ، وتجد الشباب يعزفون ويغنون ،  في أجواء جميلة جدا مليئة بالبهجة والوئام والحب ..

تستمر الرحلة التي تشمل عادة الفطور والغداء ، والعشاء أحيانا ؛ إلى الليل ويعودون إلى بيوتهم ..

يتبع >>
______________________


دمشقيات رمضانية 3⃣


يدخل شهر رمضان على دمشق بالحب والكلمة والطيبة وصلة الرحم والزينة ، فتسمع عبارات التهنئة من كل مكان حولك ، والزيارات العائلية تكون في عزها ، وتجد الحارات القديمة تتلألأ بالأنوار وبعضهم يضيف على الأبواب بعض الآيات القرآنية ، و الأسواق الشعبية مثل سوق الحميدية وسوق الحريري والبزورية وغيرها مليئة بالزينة والظواهر الاستثنائية احتفاءً برمضان ..

تكثر البسطات والباعة المتجولون لبيع أشهر المأكولات والمشروبات التي ارتبطت برمضان الدمشقي ..

فلا يمكنك أن تتمشى بشوارع الشام خلال الشهر الفضيل دون أن تلاحظ انتشار عربات "الناعم" ، والناعم أكلة شعبية خفيفة ارتبطت برمضان عبارة عن عجينة (رغيف رقيق) تشبه الخبز يتم تحضيرها بشكل خاص مابين الشوي والقلي ، ومع تغطيتها بالدبس السائل المذاب على شكل خيوط متداخلة تكون جاهزة للأكل ..
وكذلك يكثر باعة "المعروك" وهو نوع من المعجنات أو المخبوزات ارتبط محليا بالشهر الفضيل ..

بالإضافة للتسقية التي لا تخلو مائدة منها في رمضان ، بالإضافة للأطباق الرئيسية الرمضانية ولا سيما تلك المطبوخة باللبن ، مثل "شيخ المحشي" وهو كوسا محشية باللحم تطبخ باللبن وتقدم مع الأرز بالشعيرية ، وكذلك أكلة "الشاكرية" لحم طري مطبوخ باللبن ، أو "الباشا وعساكره" وهي قطع عجين محشية باللحم مع كبة لبنية تطبخ سويا باللبن ، وغيرها الكثير من الأطباق ..

والحلو "النهش" وعادة لا يظهر إلا برمضان ويتم بيعه بكثرة ، وعو عبارة عن رقائق من العجين المسقى بالحليب والسمن البلدي والسكر والمحشو بالقشطة ..
أو الوربات بقشطة مع الفستق وغيرها من الحلويات الدمشقية ..

وبالنسبة للمشروبات فقد ارتبط مشروب "العرق سوس" برمضان ، حتى يكاد لا تخلو مائدة رمضانية دمشقية من ذلك المشروب إلا فيما ندر ، بالإضافة لمشروب قمر الدين و التمر الهندي أو التوت الشامي في بعض الأحيان ..

الفواكه بأنواعها الغنية هناك ، مهمة جدا بين الفطور والسحور ، ورفيقة الجلسات والاستقبالات خلال الشهر ..
السحور عادة أخف من الفطور ، ويتم التركيز باحتوائه على الخضار وبعض الأطعمة كالجبن والزيتون والبيض والزعتر والمربى بأنواعه ، والمشروب الرئيسي على السحور هو الشاي ..

يتبع >>
_____________________


دمشقيات رمضانية 4⃣


في رمضان تحديدا تزدهر فرق المولوية أو الدراويش وفرق الإنشاد الديني والمدائح النبوية ، وجميعها تقريبا تعتمد على الموشحات الصوفية ، ويتم استضافتها بالحارات القديمة وبعض الجوامع ، وتسمى رقصة المولوية شعبيا بـ "فتلة الدراويش" ، وتكون محل جذب للكثيرين ، وبالسنوات الأخيرة ومع دخول ثقافة الخيمات الرمضانية إلى دمشق أصبحت هي الأخرى تحرص على استضافة العديد من تلك الفرق ..

اللافت أن المراكز الثقافية الأجنبية في دمشق ، مثل المركز الثقافي الأسباني أو المركز الثقافي الروسي وغيرهم ، أصبحت أيضا تستضيف تلك الفرق ولا سيما "فتلة الدراويش" في فعالياتهم المقامة خلال شهر رمضان ..

وتزداد الجوامع التي تقيم برامج دروس دينية في ليالي رمضان ، ولها مرتادوها ومحبوها ، لفتني في إعلان أحد الدروس أن التركيز لم يكن على الفقه أو العقيدة ، بل كان عبارة عن سلسلة من الحلقات اليومية خلال الشهر عن التعامل الحسن ومكارم الأخلاق !

كما إنه يوجد هناك صالونات ثقافية محلية خاصة برمضان ، وغالبا تحت إشراف المديريات الثقافية ، نشطت مؤخرا مديرية الثقافة بريف دمشق من خلال حرصها على جعل الصالون الثقافي في رمضان متميزا وجاذبا باستضافتها لفنانين ورسامين وموسيقين وغيرهم ..

لكن الأجواء الشعبية البسيطة هي الأطغى على الأجواء ، فإلى اليوم رغم الأزمة تسمع صوت مدفع الإفطار - وكأن ناقصهم أصوات مدافع - ، ولا زال المسحراتي يتجول في حارات دمشق بترديد شعاراته الشهيرة "يا نايم قوم وحد الدايم" ، ويطلق عليه محليا اسم "أبو طبلة" وذلك لمرافقة الطبلة معه في جولاته ..

كما أن مقهى "النوفرة" الدمشقي الشهير ، لا زال يحرص على استضافة "الحكواتي" في ليالي رمضان ، واللافت هو الازدحام الحاصل حوله على الرغم من التقدم المرئي والمسلسلات التلفزيونية ، لكن يبدو بأن لكل "جو" جماهيره ، ولا زال الحكواتي يجذب جزءا من الجمهور بمختلف الأعمار خلال شهر رمضان المبارك ..

من العادات السيئة ارتباط "الأرجيلة" أو المعسل بجميع الجلسات الرمضانية في دمشق ، سواء المقاهي أو الخيم الرمضانية ، وحتى شرفات المنازل ، ولها قبول شعبي كبير جدا رغم مضارها الصحية على الإنسان ..

يتبع >>

___________________


دمشقيات رمضانية 5⃣


هناك تصنيف شعبي يردده بعضهم لاختصار رمضان بجملة : مرق وخِرَق وصر ورق !

حيث يتم تسمية العشرة الأولى من رمضان بـ "المرق" إشارة لإقبال الناس على المرق والطعام والانشغال به بشكل كامل تقريبا خلال تلك الأيام ..

والعشرة الثانية بـ "الخِرَق" إشارة لانشغال الناس خلالها بشراء الملابس الجديدة والاستعداد لكسوة العيد ، وهي محل اهتمام كبير للدرجة التي قد يتعرض فيها الطفل للتعيير من قبل بقية الأطفال إن لم يكن مرتديا لبسا جديدا ومرتبا بالعيد ، وقد يتعرض الكبير أيضا للغيبة من قبل بعض الكبار ..


والعشرة الأخيرة بـ "صر ورق" وفيها تنشغل البيوت بالتجهيز لحلوى العيد ، هناك من يشتري الحلوى جاهزة من محلات الحلويات الدمشقية الشهيرة بالميدان مثلا ..
لكن يمكن اعتبار الأغلبية أنها تقوم بتجهيز الحلوى منزليا ، ولتجهيز الحلوى مكانة في البيوت الدمشقية وأهمية لافتة ، بعضهم يفضل المعمول سواء بالفستق الحلبي أو بالتمر ، أو الكنافة بأنواعها المبرومة والنابلسية وغيرها ..


الدمشقيون بعامة يحبون الحياة وكثير منهم يتحدى الظروف والصعوبات ، ويتألمون على بلدهم وحال مدينتهم وتدهور الأوضاع من سيء إلى أسوأ ، وشخصيا أعيش جزءا من ذلك الألم وفي القلب حرقة وحسرة على بلد كان يسير على خطى من التقدم والازدهار ولم يكن في جمود أو في طريقه نحو التراجع ، أشعر دائما بأني ابن سوريا وابن الشام مدينة الياسمين (دمشق) ، ولا زلت آمل أن تعود أفضل وأقوى مما كانت ، وأن تعود العافية لرمضانها وأعيادها وأيامها ..

ويبقى الحصر في موضوع كهذا صعبا جدا ، لكن ذلك أبرز ما جاء في بالي مع التحية ..


* انتهى 




الأربعاء، 3 يونيو 2015

ماذا كشفت عنود الدمام !؟

وضرب الإرهاب مدينة الدمام الحبيبة ، هذه المدينة التي عانت بنيتها التحتية من الشيخوخة المبكرة رغم حداثة سنها ، بالإضافة إلى الشعور الدائم لدى كثير من أهلها بأنها مدينة عمل فقط ، ليبقى انتماؤهم لمدنهم الأصلية هو الأقوى !

راح ضحية ذلك الإرهاب أبطال شهداء لن ينساهم مسجد الإمام الحسين (ع) ولن تنساهم العنود والدمام والمنطقة ولن ينساهم التاريخ ، تصدوا للعار والخزي والوحشية بأجسادهم وأرواحهم ، في سبيل حماية الآخرين والحفاظ على حياتهم وسلامتهم ..

موقف أهاليهم يعكس نموذجا استثنائيا بالتعامل مع الحدث ، كان موقف كل أم وكل أب من هؤلاء الشهداء حكاية ودرساً من نوع آخر ترك أثره بالنفوس والعقول معا ..

كل المواطنين تفاعلوا مع الحدث ، كانت صدمة غير متوقعة لاسيما أن الناس لم تفق بعد من فاجعة القديح التي كانت قبلها باسبوع واحد فقط ، نتيجة تفجير انتحاري نجح منفذه بالدخول إلى عمق المسجد هناك وراح ضحيته كوكبة من الشهداء ..

شخصيا ؛ أعجبت بهذه اللحمة الاجتماعية التي طغت على الأحداث ، كما كان تفاعل الأهالي والمتطوعون المتفانون في خدمة مواكب التشييع والعزاء محل إعجاب كبير ، اللجان والتنظيم والتجهيز والترتيب ، كله يكشف عن قدرة هائلة على العطاء والإحساس بالمسؤولية ..

لكن أقلقني من بين كل تلك الإيجابيات والدروس ، العناوين التي غطت الأذهان بالحدث الأخير بعنود الدمام ..

لا اختلاف حول شرف الشهادة ورفعتها ، لكن عقلية القرابين وثقافة الموت التي ملأت الأحاديث تدعو للقلق !
بتصوري لم يكن باقيا إلا القليل فقط ؛ ليتم تقديم شكر لداعش كونها فجرت الشباب وحولتهم إلى شهداء ! وكثرت رغبات الشباب بالاستشهاد بذات الطريقة ، وتحت عناوين دينية من قبيل : "الشهادة بخط أبا عبدالله" و "طريق أهل البيت" !

وبذلك نعزز الدعوة للموت بعنوان الشهادة ، تماما كما تعزز داعش الدعوة للموت وترغيبه بين منتسبيها بعنوان الشهادة أيضا !

باعتقادي علينا محاربة ثقافة الموت بكل أشكالها ، وذلك لا يعني محاربة الموت ذاته الذي هو حق علينا جميعا ..
لكن الموت في وقته وتبعا لظروفه وبعد انتهاء دورة الحياة الطبيعية لكل منا ، من تنتهي حياته قبل ذلك نتيجة تفجير إرهابي هو شهيد بلا شك ، لكن لا ينبغي أن نكون سعداء ! وأن نجعل من ذلك حلماً لبقية الشباب الأحياء ، ولا أن نستقبله بعقلية القرابين للأئمة الأموات (ع) أو للرموز والمقدسات !

دماؤنا جميعا غالية ، وعلينا أن نطمح للبقاء وأن نحب الحياة ونسعد حين يموت كل منا في فراشه وبعد انتهاء دورة حياته بشكل طبعي ، ونفخر به حين يترك أثره بالجمال والفن والعطاء الإنساني ..

الاستشهاد حالة طارئة وليست هدفا نطمح إليه أو ندعو له وإن كان ذلك بعناوين دينية جذابة !
لكنها تخطف الشباب وتخطف عطاءهم وتخطف أحلامهم وطموحاتهم .

ومن جهة أخرى ؛ كما وجدنا المكون الاجتماعي للشيعة رغم مصابهم صابرين ومتسامحين مع الآخر ومتمسكين بالوحدة والحكمة ، إلا أنه من اللافت التشدد والعنف الفكري مع المختلف بالداخل !

محاولة إقصاء الأستاذة كوثر الأربش من الحدث وسلبها أمومتها وشرف استشهاد ابنها بأبشع الطرق والوسائل ، لم يكن لائقا بمجتمع يتغنى بطيبته وتسامحه ، ويطرح عدة علامات استفهام حول المبادئ والقيم والأخلاقيات التي ندعي تمتعنا بها !

وكذلك الاعتداء الجسدي الذي تعرض له الأستاذ وليد سليس أثناء تشييع أحد شهداء القديح في وضح النهار وأمام الناس ، يعكس مؤشرا خطيرا في طريقة تعاملنا مع من يختلف معنا في أفكارنا ومواقفنا ..

علينا التشديد على مراجعة الذات ، والحذر من الانزلاق في فخ الانتصار للمذهب في ظروف كهذه ، وأن يبقى تركيزنا على الإنسان وتنميته أيا كان فكره أو معتقده أو توجهه ، بعيدا عن الإقصاء والمزايدة وتعزيز الهويات المذهبية ، فكل ذلك قنابل موقوتة ووسائل تحريضية قد تؤدي إلى أمور مدمرة ..

جميعنا في هذا المجتمع شريك في مواجهة الخطر وتحمل المسؤولية والعمل على تعزيز أفراده إنسانيا بما يتناسب مع حقوقهم وحرياتهم الفردية ..

أثق بقوة جهازنا الأمني وقدرته على مواجهة الخطر الداعشي ، لكن القلق والخوف والحذر الإيجابي والأخذ بالاحتياطات على محمل الجدية العالية أمر مطلوب ، إذ لا أحد منا يعلم ما تخبئه لنا الأيام القادمة ، قد نكون جميعا أمام مواجهة كبرى لا تقل خطورتها عما يجري بالمنطقة !
تحتم علينا الترفع عن النزاعات والصراعات وتأجيجها ، وأن نقف صفا واحدا منيعا ضد كل محاولات زعزعة أمننا وسلمنا الاجتماعي ، والعمل على خطة جذرية ثقافية ومذهبية ودينية ، بالإضافة للدور الأمني البالغ الأهمية الذي يقع على عاتق الدولة ..

همسة : لا نأمن للمذاهب فهي لن تحمينا !

تحية وفاء وامتنان لأرواح الشهداء : محمد جمعة الأربش وأخوه عبدالجليل ، ومحمد حسن العيسى ، والسيد هادي الهاشم ، حماة الإنسانية والسلام والمحبة !
ولعوائلهم الكريمة وأمهاتهم وآبائهم الشرفاء كل العزاء والمواساة والتقدير والاحترام ..

السبت، 23 مايو 2015

الإرهاب له دين لا يعترف بالإنسان والأوطان !


كل كلمات الإدانة والتجريم ليست كافية لمواساة أهالي القديح بالقطيف ، الذين فقدوا شبابهم وأطفالهم بتفجير إرهابي ديني حاقد في داخل أحد المساجد الشيعية في يوم الجمعة ، بلا تفريق بين مسالم بريء وغيره ..

نعم التفجير يستهدف أمن الوطن ككل ، وقلتها منذ أحداث الدالوة إن ذلك النوع من الجرائم الإرهابية يسعى حسب تصوري لزعزعة الثقة بين أبناء الوطن على أساس طائفي ، بإطار خطة تم الحديث عنها مرارا بالخارج لفصل المنطقة الشرقية عن باقي المملكة ..

ومع تصوري أن هناك خطة وأيادي استخباراتية ، إلا أنه لا يغير شيئا أيا كانت تلك الخطة أو الأيادي فلا يمكنها عمل شيئا بوجود الأرضية المحصنة فكريا وثقافيا وغياب الأرضية المهيئة !

فالتربة الفكرية والثقافية الدينية التي ربينا عليها ، خصبة جدا لزرع كل أنواع العنصريات ولا سيما المذهبية والطائفية ..

هذا الذي فجّر نفسه وضحى بحياته لا يسأل عن المال ولا عن السلطة ولا عن المصالح الخارجية ، بل هو مؤمن تماما أنه يفجّر نفسه ليقتل كفارا يتقرب بهم إلى الله طمعا بالمكانة العالية بالجنة حيث الشهداء المخلصين لدينهم !

نعم هو والآلاف غيره من السعوديين الذين يقاتلون ويحاربون في صفوف داعش أو القاعدة وغيرهما من المنظمات الجهادية الدينية ، إرهابيون باتفاق الغالبية ، لكنهم متدينون بالنهاية ، يقومون بإرهابهم بناء على فتاوى دينية وتحريض ديني ودفاعا عن الدين ، جميعهم أبناء هذا البلد وهذا الوطن لم يأتوا من الخارج ، فهم يريدون الانتقام من شيعة إيران أو العراق ، والانتصار للسنة هناك من خلال شيعة الوطن وأمنه وسلمه الاجتماعي ، ورأينا من يبرر ويتفهم ذلك باسم الدين ووجوب الدفاع عن السنة أو عن عرض النبي (ص) كما يتوهمون !

ترديدنا لعبارة "الإرهاب لا دين له" هو مجرد هروب من حقيقة إن الإرهاب الذي نعيشه له دين !
تبرئة الدين المتداول تلميعا لصورته يكلفنا أرواحا بشرية بريئة وأوطانا  كانت تنعم بالأمن والأمان !
لسنا مضطرين للدفاع عن الدين الذي ابتكروه على حساب أرواحنا ، لأن الدين الرحمة جاء لخدمتنا وليس ليكون عبئا علينا ، نُقتل باسمه ومن خلاله ومع ذلك نستميت بتبرئته وتلميع صورته !
إذا كنا نريد معالجة الإرهاب جذريا فعلينا الاعتراف بدينه وفكره وثقافته ، وغير ذلك سنبقى على ما نحن عليه نردد الإرهاب لا دين له ونشهد بالوقت نفسه تنامي المجموعات الجهادية الدينية من كل الطوائف والمذاهب بالحجج والعقليات ذاتها ..

منذ حادثة الدالوة إلى تفجير القديح ، ماذا فهمنا وماذا غيرنا !؟ 

جاءت ما بينهما عاصفة الحزم باليمن على ضوء اعتداء الحوثيين وإرهابهم ، لنتفاجأ بتفسيرها على المنابر بأنها حرب على الشيعة ككل ! وبدأ التجييش والتحريض والدعاء بالهلاك عليهم من جديد ، ونسينا الدالوة ونسينا اللحمة الوطنية ونسينا أمن البلد ..

شخصيا مع قانون واضح في تجريم الطائفية ومغذيها والمحرضين عليها وكل خطب الكراهية ، وأتمنى صدوره وتطبيقه بشكل فعّال وعملي ، لا سيما وإننا نعيش عهد الحزم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ، وما أحوجنا لذلك الحزم في موضوع مؤرق وخطير كالتحريض الطائفي ..

لكن ذلك لن يكون كافيا وإن كان عاملا ضروريا ومطلوبا ، فحاجتنا الأساسية تبقى في معالجة جذرية ثقافية دينية وفكرية ، فنحن لسنا فقط متضررين من إرهاب خارجي ، بل نحن منتجين لكوادر إرهابية وشباب مقاتل بنسب عالية مقارنة مع غيرنا من البلدان والثقافات  ..

بتصوري مشكلتنا دينية ، والهروب من ذلك لا يخدم أحدا ، فلا زلنا نعيش هم الانتصار للدين ، وهم الانتصار للمذهب ، وهم محاربة الأحياء دفاعا عن الأموات أصحاب المكانة الدينية ، وكل ذلك على حساب الإنسان وفكره وتقدمه ..
وما دمنا في تلك العقلية فنحن غير مؤهلين لبناء أوطان ولا حضارة ولا للعيش بتقدم وازدهار ..

علينا الاقتناع بأن الله سبحانه ورسوله (ص) ودينه لا يحتاجون إلينا ، ولا لدفاعنا القاصر ، وعلينا إلغاء التمييز العنصري بناء على الدين ..

علينا إعادة برمجة عقولنا على إن الإنسان بما هو إنسان يبقى طاهرا معصوم الدم والمال والعرض ، أيا كان دينه وأيا كان ربه وأيا كان معتقده ..

فلا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن نكفِّر باسم الدين ، ولا تقل لي الإرهاب لا دين له  ونحن نفرق بتعاملنا مع الناس بناء على الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن ننجس البشر أو نطهرهم بناء على الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن نبيح دم الانسان لأنه بدّل الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن نحاكم الإنسان لأنه ازدرى الدين ، لا تقل لي الإرهاب لا دين له ونحن على استعداد لحرق الناس والدنيا ومافيها لأجل الدين ولأجل شخوصه الذين ماتوا من قبل ألف عام !


عالج ثقافتنا الدينية التي بطبيعتها تؤدي للتطرف والإرهاب ضد المختلف وعلى مر السنوات ، فلا يكفي أن نبيد البعوض دون أن نجفف المستنقع !
وقد سبقتنا أمم بالإرهاب الديني ، لكنهم واجهوا حقيقتهم وحيّدوا الدين وجعلوه حكرا بين العبد وربه ونهضوا وتقدموا ، بينما نحن رددنا الإرهاب لا دين له وبقينا على حالنا !

إن كنا نريد مجتمعا حضاريا ووطنا مزدهرا ومتقدما ومحصنا من إنتاج الإرهاب ، علينا بتنمية الإنسان دون أن نشغل أنفسنا بدينه وإيمانه وكفره !

آن الآوان لنتعلم من تجاربنا وتجارب من سبقونا للحضارة ، حتى لا نبقى نعيش في دوامة من الحمق لا نخدم فيها أحدا ، فلا نحن الذين قدمنا نموذجا دينيا يناقض داعش ، ولا نحن الذين خدمنا الإنسان ، ومع ذلك نعيش غرورا وزهوا بالنفس وغطرسة ليس لها مثيل ، معتقدين بحسد الآخرين لنا لأننا أفضل الأمم والمجتمعات في هذا العالم ، والكل يتآمر علينا لفضائلنا وخصالنا الرفيعة ، وليس استغلالا لجهلنا وحماقتنا !


الأحد، 3 مايو 2015

أصل الأنواع بين العلم والأدلجة



"أرى في المستقبل البعيد مجالات مفتوحة لأبحاث أكثر أهمية"
* تشارلز داروين

تلك كانت رؤية داروين صاحب كتاب أصل الأنواع الشهير ، الذي لا زال يثير جدلا بين الأوساط الأيديولوجية الدينية تحديدا ، في الوقت الذي اعتمد عليه الوسط العلمي ليجعل منه انطلاقة حقيقية لاكتشافات أكثر أهمية وتثبتا وسدا لثغرات نظرية داروين كما توقع داروين نفسه ، ولا يزال القادم أوسع ..

الجدير بالذكر إن مسألة الأصل البشري وأصول الحياة هي من المسائل التي شغلت بال الإنسان منذ سنوات عديدة ، وهناك كثير من المحاولات في تفسير ذلك الأصل وتعليله وكيفية وجوده ونشأته ، أما أهم ما طرح حول ذلك فقد اختصره ديڤيد باس في كتابه "علم النفس التطوري" في ثلاث نظريات بارزة :

١- نظرية الخلق :
وهي نظرية تقوم على فكرة إن هناك إرادة سامية (إلهية) خلقت كل شيء بلا استثناء ، وهي نظرية تشترك بفكرتها غالبية الأديان وأشهرها مع اختلاف متفاوت ببعض التفاصيل ، لكنها نظرية خاضعة للتصديق الشخصي أو الاعتقاد الديني وليس لها أي دور في المجال العلمي ، فهي لا يمكن اختبارها أو استنتاج توقعات تجريبية نوعية حول ادعاءاتها الكبرى ، كما إنها لم ترشد الباحثين إلى أي اكتشافات علمية جديدة ، بالإضافة لعجزها عن برهنة جدواها كنظرية تنبؤية أو تفسيرية علمية للآليات العضوية المكتشفة ..
لذلك هي نظرية غير علمية حسب مقاييس العلم ، فلا يمكن تفنيدها أو البرهنة على خطئها ، كما لا يمكن البرهنة على جدواها ..

٢- نظرية البذار :
ويذهب أتباع هذه النظرية إلى القول إن الحياة لم تبدأ على الأرض ، بل كانت هناك بذور للحياة خارج الأرض ووصلت إليها إما من خلال أحد النيازك ، أو من خلال كائنات فضائية مجهولة لكنها ذكية جدا بحيث زرعت البذور في الأرض وعادت لمجرتها أو كوكبها ..
وهي نظرية ضعيفة علميا خالية من أي دليل على الأرض ، وإن كانت قابلة للاختبار من حيث المبدأ ، إلا إنها لم تؤدِ إلى اكتشافات علمية جديدة ولم تفسر لغزا علميا قائما ، ولم تجب - على فرض صحتها - ما هي أسباب وجود أو أصول تلك الكائنات أو البذور !؟

٣- نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي :
أو ما تعرف بنظرية داروين ، وهي وإن كانت لا يزال اسمها نظرية ، إلا أن مبادئها الأساسية تم إثباتها مرارا وتكرارا ، وإلى اليوم لم يتمكن أحدهم من إثبات بطلانها ، ولذلك يتم اعتبارها بيولوجياً بمثابة واقعة فعلية ..
كما أنها تحقق أبرز الفضائل التي يبحث عنها العلماء في النظرية العلمية العميقة ، حيث إنها تنظم الوقائع المعروفة ، وتؤدي إلى تنبؤات جديدة ، وتوفر دليلا مرشدا لمجالات مهمة من الاستقصاء العلمي ..

وكون العلم يسمح دائما بالشك فاتحا الباب لإمكانية قدوم أي نظرية أخرى أفضل منها بالمستقبل ، إلا إنه لا يعني أن هناك مقارنة فعلية أو علمية بين النظريات الثلاث : الخلق والبذار والتطور بالانتقاء الطبيعي ، فالأخيرة هي النظرية العلمية الوحيدة التي يمكنها تفسير التنوع المذهل للحياة ، مع امتلاكها القدرة على تعليل أصول وبنى الطبيعة البشرية بشكل علمي يمكن إثباته والاعتماد عليه ..

ففي الوقت الذي تعتبر فيه نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي حجر أساس في علم الأحياء الحديث ، نجد المؤدلجين لا زالوا يرددون : «يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما» 
مساوين بين اعتقاداتهم وإدعاءاتهم وبين العلم ، معتبرين أن العلم لم يقر بحقيقة التطور بعد ، متجاهلين أن العلم لا يطرح القناعات بشكل دوغمائي وجامد ونهائي ، ومع ذلك لا يترددون ولا يستحون من محاسبة من ينكر إدعاءاتهم لافتقارها إلى برهان ، في الآن الذي يعتبرون فيه التصديق بالعلم التطوري كفراً وتجاوزاً حسب فهمهم الإقصائي ..

الثلاثاء، 3 مارس 2015

هل نحن متسامحون !؟

اليوم لم نعد ذلك المجتمع المنغلق على ذاته ، الذي يعيش ما تلقّى من معتقدات وما لقّن من إيمان بحالة من الطمأنينة التي لا تتبدل ، حيث أصبحنا جزءاً من تشكيلة عقدية عالمية ..

لذلك طبعي أن تجد هناك عدة مذاهب في مجتمع واحد كأي مجتمع متنوع ومتعدد بين الإيمان وعدم الإيمان ، فلم تعد المسألة حكرا بين طائفتين كشيعي وسني !
بل أصبحنا نتشكل من جديد ، فتموت قناعات وتتولد قناعات أخرى ..
وبطبيعة مجتمعاتنا المتدينة والمحافظة فهي تقلق من التساؤلات الدينية وتخشى التبدل أو التغيير ، لا سيما إننا ننطلق من فكرة كوننا وحدنا على حق ، وبأن الدين بنسخته التي نؤمن بها نحن أهم ما نملك ولو على حساب الإنسان وفكره وتقدمه بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى ..

وهذا ما جعل كثيرا من مواقفنا وقناعاتنا تعتمد بشكل أساس على ما نعتقده من منظومة دينية خاصة ، وبواقع الحال فإن مشاكلنا وعنصرياتنا وتحزباتنا ونزاعاتنا تعتمد على ذلك أيضا ..
وبالرغم من إننا كمجتمع شيعي نعتبر أقلية مع المجتمع الأكبر ، وإننا أكثر من ينادي بالتسامح الديني والمذهبي ويدعو إلى حرية الاعتقاد وممارسته ، إلا إننا نسقط عند حد معين من حدود الإيمان لنكون كغيرنا من المتطرفين أو التكفيرين والإقصائيين ، وذلك لا يسمح بوجود تسامح ديني صادق حقيقي على أرض الواقع سواء بالنسبة لنا أو بالنسبة للجميع ..

فإذا كنا صادقين في دعوتنا علينا أن نفهم أن التسامح الديني ليس فقط مع من نرضى عن إيمانه ، ولن يكون إلا باعترافنا بأن الإيمان الديني بكل حدوده ومستوياته ، عبارة عن تصديق شخصي لا يمكن إثباته أو البرهنة عليه بشكل موضوعي قابل للتحقق فضلا عن إلزام غيرنا بالإيمان به أو تقديسه ..

حتى البراهين المدعاة التي تطرح بين فترة وأخرى ، جميعها تفيد الظن أو الترجيح بأفضل وأقوى حالاتها ..

وذلك أبدا لا يعني بأن الإيمان بهذا المذهب أو ذاك أمر غير صحيح بشكل مؤكد أو أنه علينا التخلص منه ، لكن أقصد من ذلك الإشارة إلى أن تسامحنا مع لايؤمن بما نؤمن به أمر ضروري بلا حدود ، حتى نتمكن من التسامح مع كل المعتقدات الدينية الأخرى أيا كانت ، لأنها في الواقع متساوية من الناحية الموضوعية والثبوتية ، ومن هنا لابد من التصالح الإنساني مع معتنقيها أو منكريها ، لأن ذلك أمر مطلوب طالما إنهم لا يلزمون الآخرين ولا يدعون للتفاضل بين البشر وفقا لهذا الإيمان أو ذاك .

علينا الاعتراف بأن ثقتنا بإيماننا مسألة شخصية بحتة ، وعدم الادعاء أنها حقيقة مثبتة تحملنا  على التعامل مع الآخرين على أساسها ، لأن ذلك ينتج التطرف الإيماني أو الديني الذي نعيشه ونشهد تصاعده المرعب ، وتقوم بتغذيته واستغلاله قوى سياسية استكبارية تسعى وراء مصالحها على حساب الأبرياء ، جاعلة من هذا التطرف حطب أطماعها وهيمنتها ..

لكننا واقعا نتحمل مسؤولية ذلك ، فإذا قمنا بإصلاح ثغراتنا وانطلقنا من أرضية قوية متماسكة وجعلنا من الإنسان وتنميته أولوية على التبشير بالمذاهب والمعتقدات والدفاع عنها ، فإنه لن تتمكن تلك القوى الاستكبارية من استغلالنا ، وإن فعلت فسيكون بمقدورنا محاسبتها والوقوف في وجه استغلالها واستكبارها ،  هذا إذا لم نكن في تلك الحالة قوة محل احترام يُحسب حسابها ويحذر من التصادم معها أو إضرارها ..

الاثنين، 9 فبراير 2015

هل الإسلام وحشي أم إنساني !؟


الإسلام بصفته دينا يمر بما مرت به بقية الأديان ، ويتمثل لنا اليوم في عدد من الأفكار والمعتقدات التي ورثناها من جيل إلى جيل عبر منظومات دينية متعددة ، تلك المنظومات تشكل موروثات بشرية مليئة بالتناقض ، فأحدنا لم يعش في تلك الفترة النبوية ولم يشهد المعجزات ولم يسمع أقوال النبي (ص)  ..

بطبيعة الحال وكنتيجة منطقية فقد دخل على الإسلام ما دخل وخرج منه ما خرج في إطار تلك المنظومات المتناقضة والمتعددة ..

اليوم حين نقول "إسلام" فنحن لا نعني نسخة واحدة ولا مفهوما واحداً ، بل عدة نسخ إسلامية متباينة وعدة مفاهيم يصل بها الأمر أحياناً إلى تكفير بعضها الآخر باسم الإسلام !

وبالتأكيد ليست جميع النسخ الإسلامية تتوافق مع الإنسانية ، فداعش كنموذج إسلامي متطرف و وحشي بعيد كل البعد عن الإنسانية ولا يمت لذلك المفهوم بأي صلة !

ومع اعتقادي بأنه يمكن إصدار نسخة إنسانية من الإسلام ، لأنه كإرث فيه الجانب الإنساني العالي الذي يناقض بطبيعته الجانب الإرثي الوحشي التي تعتمد عليه الجهات المتطرفة كداعش على سبيل المثال ، إلا إننا نلحظ غياباً تاماً لوجود هذا النموذج الإنساني على أرض الواقع الذي يناقض داعشاً ؛ حتى يتم تقديمه لحاضرنا ويؤسس لمستقبلنا كمجتمعات مسلمة وإلى العالم كمكوّن عقدي وبشري فاعل ومؤثر ، بل لا يزال المسلمون اليوم يعيشون تحت وطأة الصراعات الداخلية والتخلف والجهل وفي مؤخرة التقدم العالمي والنهضة البشرية العصرية ..

فإن كنا حريصين على صورة الإسلام كما ندعي ، فعلينا جميعا تصحيح ومراجعة تراثنا بوعي ، والانشغال بتجاوز الإرث البالي وغير المناسب ، والتخلي عن الدوغمائية الدينية إلى أبعد مدى ، والعيش كمجتمع إنساني عصري دون التمسك بالعودة للوراء ١٤٠٠ عاما !
والانطلاق بصورة إسلامية متسامحة وإنسانية ، أساسها المحبة وتقبل الاختلاف والحريات الفردية ، وتحييد التسلط الديني عن الشأن العام والخاص ، وإعطاء المؤسسات الدينية مكانتها المناسبة وموقعها الطبعي في المشهد الإنساني المعاصر ، بلا مزايدات ولا تخوين ولا تكفير ، بذلك نكون قد امتطينا ظهر الخطوة الأولى نحو الإسلام الصحيح والحياة .


الخميس، 22 يناير 2015

الأكوان المتعددة !


لطالما ظن البشر القدماء أنهم يمثلون الكون ، وبأن الأرض هي كل العالم ! ولكن اكتشفنا لاحقا سذاجة تلك الظنون ، وتبين وجود كواكب أخرى وشموس متعددة حتى اتضح بأننا جزء صغير جدا من كون رحب مليء بالكواكب والنجوم والمجرّات ، وبأن المسافة المناسبة للعيش بين الأرض والشمس وظروف الحياة لم تحتمها قوانين فيزيائية ، بل مجرد وضع طبيعي وليس استثنائي لواحد من ضمن الكثير الكثير من الاحتمالات التي قد يتصادف وجودها بالعلاقات والظروف بين الكواكب والشمس !
ليبقى اعتقادنا الأقوى هو "وجود كون واحد فقط" ، كوننا الذي نعيش فيه و يتضمن كل العالم ! تكوّن نتيجة لانفجار عظيم وفريد من نوعه ..

لكن هل ذلك دقيقا !؟ هل نحن نعيش في كون لا مثيل له ولا وجود لغيره وإن اختلف !؟

علميا بدأت الشكوك تدور حول ذلك ، فقد يكون كوننا واحد من ضمن الملايين من الأكوان ، صار نتيجة لواحد من ضمن الملايين من الانفجارات ، ولا زالت عملية نشوء الأكوان مستمرة ولم تتوقف ، وهي فكرة ظهرت قبل سنوات من الآن ، لكن تم استقبالها علمياً ببرود ، حيث أنها كانت ضعيفة واعتمدت بشكل رئيسي على نقطة واحدة :

*معادلات التضخم الأبدي .

ولكن اليوم عادت لتطرح من جديد بشكل أقوى بعدما تم اكتشاف أمرين مهمين يصبان في صالحها ، وهما :

*كمية الطاقة المعتمة .
*نظرية الوتر .

لتكون بذلك فكرة الأكوان المتعددة أشبه بسطح الطاولة الدائري ، والذي استطاع أن يستند على ثلاث أعمدة قوية تدعم ذلك السطح !

نعم هي ليست مثبتة علميا ، وإلى اليوم لا يلام من يرفضها أو لا يصدقها كونها لا تعتمد على برهان تجريبي أو على ملاحظة علمية ، لكن الحسابات الرياضية تأخذنا إلى هناك !
يبدو بأن فكرة الأكوان المتعددة فكرة قوية منطقيا أكثر من كونها قوية علميا ..

ومع ذلك نجد هذه الفكرة اليوم تثير الجدل بالأوساط العلمية ما بين مؤيد ومعارض ، والكثير يعتبر بأنه بعد ١٠٠ عام من الآن ، ستكون فكرة الأكوان المتعددة فكرة ناضجة علميا وغير مختلف حولها ..

ذلك كان ملخص ما فهمته من الفيلم الوثائقي العلمي الذي قدمه عالِم الفيزياء النظرية "براين غرين" عن الأكوان المتعددة ..
ولكم رابط الفيلم للإستمتاع بمشاهدته :