الأربعاء، 27 نوفمبر 2024

الحقوق بين الأبيض والملون: ‏خطاب قديم لمعاناة معاصرة!



‏ما يزال البعض يستحضر ثنائية “الأبيض والملون” في تناول القضايا الحقوقية، مُكرّسًا خطابًا يبدو وكأنه نقد للهيمنة الاستعمارية لكنه في الواقع يفتقر إلى ملامسة الواقع الحقوقي اليوم!


‏هذا الخطاب ليس فقط قديمًا، بل يبتعد عن معالجة التحديات الحالية، خاصةً تلك التي تواجهها المجتمعات الملونة نفسها..


‏صحيح أن هناك إرثًا من الهيمنة البيضاء، لكن العالم تغير، والمشاكل الحقوقية في يومنا الحاضر لم تعد محصورة في “البيض مقابل الملونين”..


‏التركيز المستمر على هذا التقسيم يعيدنا إلى زمنٍ مضى بدلًا من أن يساعدنا في مواجهة التحديات المعاصرة!


‏المجتمعات الملونة، التي يفترض أن تكون ضحية لهذا الإرث، تُظهر في واقعها مشكلات أكثر تعقيدًا تتعلق بالتمييز الداخلي، القوانين القمعية، والاضطهاد الاجتماعي الذي يطال الفئات الأكثر تهميشا..


‏أفراد الميم عين (LGBTQ+) والنساء، على سبيل المثال، يعانون من اضطهاد ممنهج في العديد من هذه المجتمعات، ليس بسبب إرث الرجل الأبيض أو الاستعمار، بل بسبب عوامل محلية بحتة!


‏القوانين التي تُجرّم المثلية، أو تُقيّد الحريات، أو تُقصي النساء، ليست “اختراعًا أبيضًا”، بل أدوات قمعية طوّرتها مجتمعاتنا الملونة..


‏تجاهل هذه الحقيقة وتحميل المسؤولية الكاملة للاستعمار أو “الهيمنة البيضاء” يعفي الفاعلين المحليين من المسؤولية، ويُضفي شرعية ضمنية على القمع الداخلي!


‏إن اختزال المعاناة الحقوقية في ثنائية الأبيض والملون لا يُنصف الضحايا الحقيقيين، في كثير من الأحيان، نجد أن المجتمعات الملونة تمارس أشكالًا معقدة من التمييز داخلها سواء العرقي أو الطبقي أو القبلي أو الديني وعدة أشكال أخرى، مما يعمّق معاناة المختلفين..


‏وعلى الرغم من ذلك، يتم التغاضي عن هذه الانتهاكات المحلية، بينما يُلقى اللوم دائمًا على الغرب أو الاستعمار القديم أو البيض..


‏من غير المنطقي أن ننتقد الدول الغربية بسبب سياساتها تجاه اللاجئين أو الأقليات، بينما نتجاهل انتهاكاتنا الداخلية التي غالبًا ما تدفع هؤلاء اللاجئين إلى الهروب من بلدانهم في المقام الأول، قوانين تُجرّم الحب والاختلاف، أنظمة تقمع الحريات الفردية، ومجتمعات تُقصي المختلفين بسبب الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي، كلها مشاكل لا يمكن تبريرها بالحديث عن “الاستعمار الأبيض”..


‏بدلًا من أن يكون هذا الخطاب وسيلة للتحرر، أصبح أداة لتبرير الفشل، وتحميل مسؤولية الحاضر لأشباح الماضي!


‏الأكثر إثارة للسخرية هو التناقض الواضح لدى بعض الأصوات التي تهاجم الغرب وتنتقد إرثه، لكنها في الوقت نفسه تتهافت على الحصول على فرص التعليم، العمل، أو اللجوء في نفس الدول التي تُدينها..


‏هذه النظرة المتناقضة تعكس أزمة عميقة في فهم العدالة والحقوق، حيث يتم تحميل الغرب كل السلبيات مع الاستفادة من إيجابياته!


‏تحقيق العدالة لا يمكن أن يتم من خلال استبدال نظام تمييزي بآخر، أو من خلال خطاب يختزل القضايا الحقوقية في لون أو عرق، فالمشاكل الحقوقية في إفريقيا ليست هي نفسها في الشرق الأوسط أو آسيا، ولا يمكن تفسيرها جميعًا تحت مظلة “الامتياز الأبيض”


‏ما تحتاجه المجتمعات الملونة اليوم هو مواجهة ذاتها، وتحمل المسؤولية عن مشاكلها الداخلية، من الفقر والفساد إلى التمييز والقمع!


‏لا يمكن تحقيق إصلاح حقيقي ما لم ننتقد أنفسنا ونضع الفاعلين المحليين تحت المجهر بدلًا من الاستمرار في إلقاء اللوم على الآخر..


‏فقد حان الوقت لتجاوز خطاب “الأبيض والملون” الذي يستنزف القضايا الحقوقية ويعرقل أي حلول عملية!


‏نحن بحاجة إلى خطاب حقوقي شامل يعالج الأسباب الحقيقية للظلم، سواء كانت محلية أو عالمية، دون أن يسقط في فخ الشعارات القديمة أو الانتقائية..


‏المساواة الحقيقية تبدأ من الداخل، من الاعتراف بأن التغيير مسؤوليتنا أولًا..


‏تجاوزنا لثنائية اللون والعرق هو خطوة نحو عدالة حقيقية تُنصف الجميع، بغض النظر عن عرقهم أو لونهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق